لم يعد للغربة “الاقتصادية” معنى ايام زمان، ولا البعد عن الوطن والعائلة معنى الفراق العاطفي الذي يطول مداه.. لم يعد فراق الأحبة بالدموع والحرمان ولم تعد العودة الى أرض الوطن تستقبل بالمزامير والطبل والزغاريد..
ولم تعد المطارات والموانئ الأجنبية ترحب او تغض الطرف عن المهاجرين الوافدين الجاهزين لاول عمل يصادفهم، بل تصدهم وتعيدهم من حيث أتوا أذل وأفقر مما كانوا عليه.
اليوم الهجرة المنظمة أصبحت نادرة ونمت الهجرة “غير الشرعية” التي تمثل في حد ذاتها مغامرة، بعدما احترقت الارض من تحت اقدامهم في بلدهم، ولم يعد أمامهم سوى “الحرقة” الى عالم آخر لا تحدث فيه ثورات النهب والتفقير والاستبداد والفساد.. وتبعا لذلك لم يعد التفكير في المخاطر يشغل بال المهاجرين الجدد..
فتراهم يركبون البحر مجهزين بكاميرات الهواتف والموسيقى الراقصة ليسلموا أنفسهم لحرس الحدود وخفر السواحل بكل فرح مما يعطي انطباع أجواء رحلة سياحية! يعتبرها البعض استفزازية، ثم يطلبون اللجوء الانساني، ومن ثمة الافلات من الترحيل الفوري واخلاء سبيل البعض منهم.
أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، في الايام القليلة الماضية تدوينة “سبأ السعيدي” فتاة تونسية لا يتعدى عمرها الـ18 ربيعا، عبر حسابها Sabee_Saidi.
بخصوص عبورها غير الشرعي إلى إيطاليا على متن قارب صغير صحبة عدد من الشباب الحارق، اعتبر تشجيعا على الهجرة السرية وكأن الأمر يبدو في غاية السهولة. ولكن هذا الامر لا يعنيها ولم تتفطن لخطورة التهمة كمؤثرة لها مئات الالاف من المتابعين، لأن همها الوحيد ان تصبح نجمة من نجوم الميديا بعدما استحال العيش في بلادها حسب قولها.
واستدركت امرها في فيديو اجتماعي حكت فيه عن “تجربة مروعة” دامت 23 ساعة في عرض البحر قبل ان ترى اليابسة بدون أكل وقليل من الماء واعتبرت نفسها نجت من الغرق لانها في بعض الاحيان فقدت الامل في النجاة. واجابت عن سؤال لأحد المدونين هل انتابها الخوف ام لا؟ فأجابت بنعم..
من ناحية اخرى خلفت هذه المغامرة احراجا كبيرا لوزيرة الداخلية الايطالية وتعالت ضدها اصوات المعارضة اليمينية المعادية للمهاجرين الذين سخروا منها واعتبروها فاشلة ومتواطئة مع الهجرة غير الشرعية. اما الظريفين من المعلقين فقالوا مرحبا بالمهاجرين اذا كلهم في جمال هذه الفتاة.
في كل الحالات لا يجب التشجيع على الهجرة غير الشرعية لانها غالبا ما تخلف وراءها مآسي، وشعورًا بالعجز، واليأس، والانهزامية؛اسألوا أمهات الاف المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم الى حد الان، ولكن يحز في النفس ان لا يكون شبابنا مثل شباب الاتحاد الاوروبي يتنقلون في قارتهم بدون تأشيرات ولا حتى جوازات، ولهم الحق في الدراسة والعمل في كل بلدان الاتحاد.
كل المعاهدات الاقتصادية التي تعقد بين بلدان العالم الغني والعالم الفقير تقضي بمرور السلع وتقصي مرور البشر.. فهم يخترعون لنا تسميات رنانة موسيقية السماع مثل “ثورات الربيع العربي” ويغدقون علينا الاموال حتى نغرق من كثرتها ويسهل نهبها ويصعب ردها..
نحن فهمنا الدرس وعرفنا من سيدفع الثمن، لكن من أوصلونا الى هذه الحالة وتآمروا على هذا الوطن هل سيأتيهم يوم الحساب؟ ربما، الله أعلم.. أنه سبحانه سريع الحساب.
الحبيب المستوري – روما
