
شيء ما مهمّ تغيّر في الواقع السياسي الذي نتج عن قرارات 25 جويلية وثبته الامر الرئاسي عدد 117 ليوم 22 سبتمبر الماضي.
اصل هذا التغيير خطاب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يوم السبت 4 نوفمبر ، بمناسبة احياء الذكرى التاسعة و الستين لاستشهاد الزعيم النقابي و الوطني فرحات حشاد.
جوهر خطاب الطبوبي و كلمة السر فيه هي ” لا مجال لحكم الواحد” والتي تؤكد رفض الاتحاد لطريقة الرئيس قيس سعيد في إدارة الشان السياسي الوطني منذ 25 جويلية حيث جمّد كل المؤسسات الدستورية التمثيلية و جمع كل السلطات بين يديه.
ليست المرة الاولى التي يعرب فيها امينها العام عن رفض المنظمة النقابية لطريقة سعيد في حكم البلاد اثر اتخاذه لقراراته الاستثنائية، لكن التعبير لم يكن مثلما جاء في خطاب يوم الاحد مباشرا و حاسما. قبل ذلك حاول نور الدين الطبوبي وفي اكثر من مرة تثمين ما اسماه بحركة 25 جويلية كما حرص على تاكيد دعم الاتحاد لها باعتبارها “فرصة لانقاذ البلاد”.
و رغم إعراض قيس سعيد عن مقترح الحوار الذي تقدم به منذ جانفي و الذي جدد طرحه بعد 25 جويلية فان نور الدين الطبوبي تحاشى احراج رئيس الجمهورية و عمل دوما على توفير مخرج قد يؤدي الى صيغة تفاهم و توافق تسهم في بلورتها اهم الاحزاب والمنظمات و يكون للاتحاد الدور الاول فيهانظرا لتاريخه و حجمه و وزنه.
هل بلغ اليأس من الامين العام للمنظمة الشغيلة حتى يغير لهجة خطابه؟
الواضح ان ارسال الرسائل المتلاحقة من الامين العام للاتحاد الى الرئيس سعيد والتي ضمنها تدريجيا رفضه لمشروع شكل الحوار الذي اقترحه رئيس الجمهورية ورأى فيه الطبوبي استبدالا معلنا لمشروع الاتحاد، ثم رفضه لفكرة الديمقراطية القاعدية، و اخيرا و ليس آخرًا رفضه للحكم الواحد و هو مايعني بالنتيجة الجوهر السياسي لحركة 25 جويلية ان بقيت كما هي الى حد الآن وكما يريدها سعيد و فريقه عملا تاريخيا لرجل وحيد، الواضح قلنا، ان الامين العام و قادة اتحاد الشغل بعد ان سايروا الموجة الشعبية و باركوا تحركات الرئيس سعيّد و وتوجهه المعلن نحو تطهير مؤسسات الدولة من الفساد و تمكينها من استعادة هيبتها و دورها على نحو فعال، اصبح يعتريهم شك و لربما اتضح لهم من وراء ما يعتبرونها ضبابية تلف المشروع الرئاسي ان المنظمة الوطنية الاجتماعية الاكبر قد تكون الضحية الاولى لمشروع سعيّد.
ولعل اول اشارة خطر تتمثل في عودة الرئيس ل17 ديسمبر لتأريخ ميلاد الثورة، و هي العودة التي قد تعني في ما تعني ان الرئيس سعيّد يريد مراجعة الادوار و اعادة كتابة تاريخ الثورة على نحو قد يؤدي الى تقليص دور الاتحاد الذي يسند لنفسه امتياز انجاح الثورة يوم 14 جانفي.
اما اذا اصبح التأريخ بيوم 17 ديسمبر فان صاحب الدور الرئيسي يصبح الشعب انطلاقا من انفجار غضب اهالي سيدي بوزيد اثر تضحية البوعزيزي بنفسه حرقا.
اعادة مبادرة القيام بالثورة الى الشعب يمهد لتحقيق الديموقراطية انطلاقا من القاعدة اي الشعب دونما وساطة او تدخل فعلي من التنظيمات السياسية او الاجتماعية. من هذه الزاوية كذلك يتقلص حضور الاتحاد و يخف وزنه، فهو و ان نجح في النأي بنفسه عن الشان السياسي الحزبي و ممارسته اليومية فانه في الحقيقة لم يغب عن الواقع السياسي منذ المؤتمر الخامس لحزب الدستور بصفاقس و حافظ على تاثيره الفاعل في توجهات الدولة و خياراتها الكبرى وصار لاعبا لا غنى عنه.
وقد تعزز الدور السياسي للاتحاد بعد الثورة و تعدد متقلبا بين الشريك احيانا و المعارض احيانا اخرى دون التنصل من دوره الاصلي المتمثل في الدفاع عن الشغالين، ما جعل تاثيره السياسي اهمّ و اقوى بقدر ما هو خفيّ و غير رسمي.
اما في وضع تشكّل الديمقراطية القاعدية التي يبشر بها الرئيس فان الاتحاد سيجد نفسه مهمّشا و دوره مميّعا في صراعات و تشابكات لا يمكن تصورها في غياب طرح واضح و مدقّق للمشروع السياسي للرئيس سعيّد، و هو ما اصبح الاتحاد يلحّ في المطالبة به حتى يتبين له الخيط الابيض من الخيط الاسود من اهداف و مرامي سعيّد و ما يريده بالضبط للمنظمة الشغيلة و قيادييها.
شيء اخير: الاتحاد حصل سنة 2015 على نوبل للسلام ضمن الرباعية التي برزت بجنوحها الى الحوار و السلم الاجتماعية و قدرتها على تسهيل جمع الفرقاء. امر مشروع اذن ان يطالب الاتحاد بالحوار كاداة لتوضيح الرؤية و الزام جميع المساهمين فيه بما ينبثق عنه من نتائج.
المشكلة هي ان الرئيس سعيّد لا يبدو مطمئنّا للحوار الذي يقترحه الاتحاد لما يرى فيه من سعي في تكريس النظام السائد و الذي يريد هو انهاؤه اعتمادا على الحوار الإلكتروني.
اختلاف في المفاهيم و المقاصد قد يصعب حلّه.
الاتحاد وعي بهذا و شيء ما هام بدأ يتغير قد تؤكده الايام المقبلة