بقلم: عبد الجليل المسعودي
و هو اليوم في الرابعة و الاربعين، يبدو نزار الشعري و كأنه لم يغادر العشرينيات من عمره، زمن قاده شغفه بالاعلام الى استوديوهات اذاعة صفاقس مسقط رأسه، و من ثمة الى قناة 21 التلفزية بالعاصمة ثم الى اذاعة موزاييك ثم قناة الحوار التونسي قبل ان يتحول الى رجل اعمال يترأس تسع شركات تعمل في مجال التسويق و الاعلام و تكنولوجية المعلومات في خمس جهات هي تونس و صفاقس و سوسة و قابس و القصرين تزن ما يفوق الاربعين مليون دينارا.
الرجل على عكس ما يبدو تماما:
فتحتَ مظهر الشاب العفوي يختبئ رجل شغول مجتهد في عمله، وخلف الفتى الهادئ يختفي مصمم صارم، و وراء المتكلم الحالم يقبع مخطِّط سطّر طريقه بدقة عبر مراحل واضحة و محددة.
سنة 2008 و بعد نجاحه في الاذاعة و التلفزة اقتنى نزار الشعري بما كسبه انذاك من المال “تونيفزيون”المصدرة للمجلة الحاملة لنفس الاسم، و بقوة العمل و الاصرار تحول في وقت قياسي من قارئ للمجلة الى مالك لها و جعل منها في وقت قياسي كذلك منصة للقاء الشباب و الاصغاء لمشاكله و طرح و تحسس المستقبل و رسم الافاق، مستعملا احدث الوسائط الاتصالية و التقنيات الرقمية و سخرها لبناء منظومة متكاملة لبلورة المشاريع و مرافقة باعثي الشركات الناشئة.
وكان لهذه التجربة ان فجرت طموحات جديدة في الشاب نزار الشعري الذي نضج في الاثناء واصبح كهلا واتضحت له الرؤيا واكتملت رؤيته لواقع الشباب في كامل تراب البلاد، و بدا يتطلع الى دور اهمّ و ربما الى مصير وطني بعد ان تاكد من قدرته على جمع الشباب و التاثير فيه.
سارع نزار الشعري في مطلع سنة 2016 الى توسيع نطاق اهداف و آفاق “تونيفزيون”بعد تحويلها الى مؤسسة هامة و خصصها لاحتضان رؤى الشباب مركزا على طلاب الجامعات باعتبارهم مطالبين غدا بتحمل المسؤولية، و غطى كامل مناطق الجمهورية، ينظم اللقاء تلو اللقاء و الحوار تلو الحوار، و موجها جهوده نحو هدف اساسي يتمثل في توفير الدُّربة التقنية و الفكرية لهؤلاء الشباب و تمكينهم من المهارات التي تأهلهم ليكونوا قيادات المستقبل في مختلف ميادين الانتاج و طلائع بعث الشركات الناشئة.
يقول نزار الشعري”لقد لاحظت ان شبابنا يكبلهم شيئان اساسيان كلاهما ناتج عن الذهنية التي ما تزال تسيطر على غالبية الشرائح الشابة و الناشئة عموما:
اولهما عدم الثقة في النفس و في السلطة، وثانيهما الاحساس بالاحباط و انعدام الفرص.
كان لابد لنا من كسر هذه الدائرة السلبية و اعتماد سياسة ارادية تساعدهم على استعادة القدرة على الحلم و الامل عبر اندماجهم الفعلي ضمن حركية تمكنهم من انتاج الأفكار و اطلاق المبادرات، وجمعنا كل هؤلاء الشباب حول شعار موحد هو العمل-الابتكار-المشاركة، و نحن نفخر اليوم في “تونيفزيون” بنجاحنا في تاسيس ديناميكية متواصلة تتجدد من ذاتها لتبني اجيالا من الكفاءات قادرة عل بعث المشاريع و ادارتها و تطويرها باستمرار.
اعلنت استقالتي من رئاسة “تونيفزيون”التي تولاها بشير الخليفي باعث و مسير لشركات ناشئة ناجحة و هو نتاج خالص لمؤسسة “تونيفزيون”، يقيم الدليل على توفقنا في بناء قيادات تتعاقب و تجدد من ذاتها”.
لكن و هو يتخلى عن رئاسة” تونفيزيون”لم يبتعد نزار الشعري عن الشباب.
لقد غير الخطة دون ان يغير الاستراتيجية، و اعاد تركيز العدسة على شباب الجامعات حيث كون 150 ناديا جامعيا يجمع 160 الف منتم في مختلف انحاء الجمهورية كلها تنشط ضمن نفس التوجه وترمي الى ذات الهدف وهو “تنمية قدرات القيادة و الريادة عند الشباب”.
بهذا العدد من المنتمين من الشباب و هذه القدرة على الحضور و التنظيم و التاثير لم يكن من الممكن مقاومة الاغراء الاكبر لدخول ساحة العمل السياسي و لا شك ان ذلك حدى به الى تاسيس حركة قرطاج الجديدة تحقيقا للحلم الوطني الذي اصبح يراوده.
“الحلم” هي الكلمة المهيمنة في خطابه اليوم وهو يرى في اسم قرطاج ما يثير الرغبة و القدرة على الحلم اللا محدود لان قرطاج تحمل دلالات العظمة و التطلع الى البعيد و المراهنة على الذكاء و المهارة و ريادة الشباب. ويضيف:”
كل شعوب العالم ادركت امام زحف العولمة ضرورة احياء الامجاد التاريخية لتقوية و تعزيز روافد الهوية و تجديد طاقتها لمواجهة تحدياتها المستقبلية.
مصر تعمل على احياء العهود الفرعونية القديمة للاستلهام من قوتها و كذلك الامر بالنسبة لتركيا التي تغذي طموحها من استعادة تاريخ الامبراطورية العثمانية…”
و حين تذكّره ان قرطاج تكبدت هزيمة امام روما ادت الى اضمحلالها يجيبك اننا نعتمد في معرفة تاريخنا على ما كتبه المنتصرون الرومان وان علامات ما تزال واضحة في لغة و مخيال احفاد الرومان تؤكد ان القرطاجنيين لم يكونوا اقل عظمة و تاثيرا و اشعاعا. نحن نحيي امجاد قرطاج لتقوية اعتزازنا باسهامنا في البناء الحضاري العربي الاسلامي.
نريد لشبابنا ان يكون فخورا بتاريخه و يقظا لحاضه و ان يكون طموحه للمستقبل اكبر. هذا هو حلمنا القرطاجني.
في رئاسية 2019 تراجع نزار الشعري عن الترشح بعد حوار مع محيطه الشبابي خرج منه بقناعة ان وقته لم يحن بعدُ.
لكن رغم هذا التراجع فان اسمه طُرح لرئاسة الحكومة ثم لوزارة الشباب.
لم يندم على ضياع تلك الفرص لان شعورا قويا يعتريه انه اليوم على الطريق الصحيح.
و حين تسأله عن رأيه في الواقع السياسي الوطني يجيبك في نبرة المتأكد من نفسه ان “حياتنا السياسية مصابة بداء ارادة الاستبعاد و الشيطنة و الانقسام العنيف و التقسيم الفئوي الذي انتج فجوة كبيرة متواصله في الرؤية المتعلقة بنطاق التغييرات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي ينبغي اجراؤها لاخراج تونس من ازمتها التي طالت اكثر مما يمكن احتماله و تحمله.
-عن طريق الخروج من هذه الممارسات السياسية الخطيرة و العقيمة:
-“مصالحة و طنية حقيقية لم ننفك نضيّع فرصها في كل مرحلة” عن 25 جويلية:
-“ساندنا هذا المسار لايماننا انه قادر على الدفع الى الامام واحداث رجة انقاذ. للاسف المسار تحول الى عامل انقسام آخر بسبب رفض الرئيس سعيّد الحوار و التشارك”
.عن حركة النهضة:
-“النهضة ما تزال الحزب الاكثر هيكلة و تنظيما لكن سوء ادارتها لازمة انقساماتها الداخلية و التي ظهرت عند تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2019 اضعفتها و اثّرت في تماسكها سيما وان هذه الانقسامات خرجت الى الساحة الوطنية”.
عن الحزب الدستوري الحر:
-“حزب له وزنه على الساحة، المشكل ان رئيسته عبير موسي تخلط الفهم في ما بين منافس و عدو لذلك فهي تعادي الجميع و تتهم الجميع”.
بين امبراطورية قرطاج التي يحلم بأعادة بنائها و المصير الوطني الذي ينتظر ان تاتيه به الانتخابات المقبلة يمضي نزار الشعري يجوب البلاد يلتقي بالشباب يخطب و ينشط و يحفّز.
تذكروا هذه الكلمة: هذا الرجل سيذهب بعيدا لانه يؤمن بما يحلم!