
لاكثر من سبب كان قرار الرئيس سعيّد في منتصف شهر اكتوبر الماضي سحب جواز السفر الدبلوماسي من الرئيس الاسبق منصف المرزوقي غلطة سياسية.
هي غلطة،اولا، لانه بعد ثلاث سنوات قضاها في قصر قرطاج كاول رئيس لتونس بعد الثورة، سواء كانت الثورة تؤرّخ ب17 ديسمبر ام ب14جانفي، و سواء كان المرزوقي رئيسا مؤقتا ام مستديمًا، فانه لم يعد في حاجة الى جواز سفر ديبلوماسي لكي يُستقبل و يُعامل مع كامل المراعاة الواجبة له كرئيس دولة سابق في بلدان العالم كله و خصوصا منها ذات الاهمية بالنسبة لبلادنا المرتبطة منذ عقود باتفاقيات شراكة او جوار او تعاون مع اكثر من بلد و مجموعة بلدان، وهذا سيان عند تلك البلدان او المجموعات حملَ منصف المرزوقي ام لم يحمل وثيقة السفر الزرقاء معه.
بل انه صار من المؤكد الآن وبعد كل الضجة الاعلامية التي أثيرت حول قضية السحب ان الرجل قد استفاد ايما استفادة من فقدان جوازه الازرق أكثر مما لو كان احتفظ به، لانه ربح صفة جديدة أُضيفت الى صفاته القديمة
:انها صفة الضحية.
رئيس جمهورية ضحية؟ هذا مما يثير قطعا التعاطف و التضامن في اعلى المستويات في مختلف الدول قريبها و بعيدها.
وهي غلطة،ثانيا، لان حُجّة “ضرب للمصالح التونسية بالخارج” التي اعتمدها الرئيس سعيّد لتصنيف السيد منصف المرزوقي بين “اعداء تونس”وسحب جواز سفره الديبلوماسي منه يصعب تمريرها اليوم في عالمنا المعولم فضلا عن اقناع مسؤولي البلدان الديمقراطية بها.
و السكوت لا يعني قبولها، لان هؤلاء المسؤولين و كذلك صناع الرأي يعلمون كل شيء عنا و لا يحتاجون لخطب منصف المرزوقي لتحديد مواقفهم من بلادنا و اتخاذ قراراتهم، و اعتبارُ او حتى مجردُ التفكير انه قادر على توجيه تلك القرارات او التاثير فيها هو مجرد وهم يظهر في هيئة حقيقة لمن لا يعرفون كيف تصنع القرارات في بلد مثل فرنسا او انجلترا او المانيا.
كان بالامكان ايقاف الضرر عند ذلك الحد و احتواء غلطة سحب الجواز الديبلوماسي.
لكن ها هو القضاء يعمق المسالة و يوسع ابعادها بعد الحكم غيابيا على الرئيس الاسبق باربع سنوات سجنا لتتحول الغلطة الى خطا.
انه خطا سياسي لانه سيؤدي الى النتيجة المعاكسة، و عوض معاقبة منصف المرزوقي فان هذا الحكم المفرط سيجعل منه بطلًا يمتطي من جديد صهوة حصان الدفاع عن الديمقراطية المهددة، وسيكون المستفيد من كل المصاعب الكثيرة المتوقعة للرئيس سعيّد.
هل كان ذلك هو الهدف؟نعم، انه خطا سياسي فادح، لا يوجد تعبير آخر، لانه يسهّل تقديم الرئيس سعيّد في صورة الحاكم المتعصب المتسلط الذي يريد بث الخوف حيث يجب اشاعة الطمانينة و روح التسامح و الاختلاف و القدرة على التحاور و الحوار و تقبل النقد بل و الانتقاد حتى و ان كان مجحفا.
أليس من حول الرئيس رجل رشيد او امراة رشيدة لايقاف مثل هذه الاخطاء و تذكيره ان زمن حكم الرجل الواحد و الرأي الواحد قد ولى و انتهى و ان تونس التي على مرمى حجر من اوروبا لا يمكن ان تحكم كما حُكمت في الماضي حتى و ان بدت الحاجة ملحة للعزم و الحزم.
هناك فرق بين السلطة و التسلط.