بقلم العربي المنصوري
قرار فتح تحقيق في وفاة الرئيس باجي قائد السبسي الذي اذنت به وزيرة العدل للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس، يثير العديد من الاسئلة الهامة و المتناقضة.
فاذا لم يكن هناك ادنى شك في ضرورة ان تقوم العدالة بدورها في كشف الحقيقة و انارة الراي العام وهو الحد الادنى المطلوب في الديمقراطية، فان السؤال الاول الذي يتبادر الى الذهن يتعلق طبعًا بتوقيت اتخاذ قرار فتح التحقيق:
لماذا الآن و المعطيات التي قد تبرر فتح هذا التحقيق موجودة و متداولة منذ اليوم الموالي لوفاة الرئيس الراحل، و لماذا الآن و الرئيس سعيّد الذي لا يمكنه ان يكون غريبا عن هذا القرار باعتباره يجمع كل السلطات بين يديه، مرّ على جلوسه على كرسي قرطاج سنتان او يزيد؟
السؤال الآخر يتعلق بالمبررات وراء فتح التحقيق و التي تبدو بُنيت على اشارات ضعيفة الدلالة للتاكيد ان عناصر الجريمة متوفرة فعليا.
فقد قيل في اكثر من مناسبة ما قيل امس في احدى القنوات التلفزية من ان موت الرئيس قائد السبسي رحمه الله كان مسترابا، لكن المنطق لا يدعم مثل هذا القول لان الفقيد رغم كل ما كان يثيره تقييم مردوده من اختلاف و تباين فانه كان رجلا مجمّعا يحظى باحترام و تقدير كل مكونات المجتمع السياسي الوطني مثلما اكد ذلك جليا موكب توديعه الاخير و الذي ضمّ كل شرائح الشعب التونسي.
الى ذلك يضاف انه كان في نهاية ولايته الرئاسية ولم يكن مطروحا ان يتقدم لولاية ثانية بحكم كبر سنه و هشاشة صحته البدنية.
ثم وعلى افتراض ان موته كان مشبوها و مثيرا للشك، الم يكن اجدر بفريقه الطبي و الذي حيّاه الفقيد بمناسبة دخوله المستشفى العسكري في المرة الاولى في شهر جوان واكبر كفاءة اعضائه و تفانيهم، ان يكون هو هو من يثير القضية و يلجأ فيها للقضاء؟
اكثر من اشارة تدل على اننا امام قضية تنقصها الجدية الكاملة و ان التحقيق المطلوب سوف لن يفضي الى نتائج فعلية.
كما ان الاجراء القضائي تم على أساس حوار تلفزي و هو ما يمثل سابقة قد تفتح الباب لكل الانحرافات.
من هنا جاءت الاسئلة موحية الى ان اهداف اخري تختفي و راء الاذن بفتح هذا التحقيق منها محاولة إلهاء الرأي العام عن مصاعبه المعيشية و صرف الاهتمام عن السياسة المتعثرة للحكومة.
و هناك من ذهب الى اعتبار ان الهدف الرئيسي من الاذن بفتح التحقيق هو سياسي يتمثل في احراج بعض الخصوم.
ولكن و مهما يكن من امر كل هذه الاسئلة و التخمينات فان القضية على غاية من الاهمية و الخطورة، ليس فقط لانها متعلقة بالبحث في حقيقة موت رئيس جمهورية، رمز سيادة و وحدة الوطن، بل لانها تضع المؤسسة القضائية على المحك و تمتحن جديتها و مصداقيتها.
و ليس لها هذه المرة غير خيار النجاح و فصل الحق عن الباطل حتى لا تنقلب الشكوى على الشاكي مثلما انقلبت في قضايا سابقة.