
لا أريد أن أكون، كمغترب ببلاد الروم لأربعة عقود ولازلت، قاسيا على من يدير شؤون الهجرة في بلادنا، ونحن في آخر يوم من سنة ثقيلة ومدمرة لكن بها حياة وفيها غرق ونحن نتشبث بالحياة، وجاءتنا الفرصة مع 25 جويلية، لأن نحلم من جديد بأن القادم أجمل ولن يكون اتعس من الذي عشناه في الأعوام العشرة الأخيرة.
كنت أتمنى أن يفاجئني يوما ديوان التونسيين بالخارج ، أن يدهش الجالية التونسية بالتفاتة بسيطة ، أن أجده يعتصر لينشئ عملا يسعدني، فقط لأنه يعلم أن ما من شيء يسعد الجالية اكثر من انتاج عمل لصالح المجموعة، استقصائي بالتحديد لمعرفة ميولات المهاجرين، عيشهم، كم هم، ومن هم، وماذا يفعلون، وأين يتواجدون او يتكاثرون، ما هي رغباتهم وماذا يشترون، وماذا يفعلون، وأين يذهبون.
وفي قلب هذا الفضول، تكمن الرغبة بالعثور على إجابة للسؤال: هل هم أكثر سعادة؟ وأكثر راحة وهل لا ينقصهم شيئا؟
وهذه بعض الأفكار نحصيها بين الامور التالية: ماذا حدث لخطط أولئك الذين كانوا يخططون للمغادرة بجميع الطرق زمن الكوفيد؟ كيف عاش أولئك الذين، من ناحية أخرى ، بالفعل في الخارج؟ من عاد؟ من بقي في الخارج؟ وما هو مصير المفقودين، وهل سيظل مصيرهم مجهولاً “الى الأبد”؟ وهل أفراد عائلة الشخص المفقود هم أيضاً ضحايا؟
وماذا حدث للتدفقات الداخلية في البلاد؟ هل بامكان “دار التونسي” المنتشرة هنا وهناك ان تنجز تقريرا سنويا به معلومات محينة وثابتة عن البقاع التي تعيش فيها الجاليات التونسية بالخارج، تجمعات تونسية مفعمة بالحيوية ويقيمون فيها أكثر أو أقل زمن.
يتم سرد قصص هذه الجاليات التونسية في الخارج ، والإبلاغ عن الأرقام ، ووصف المشكلات ، وكشف نقاط القوة والضعف حتى يتمكن صاحب الفضول، في نهاية المطاف، من إدراك كيف يتنقل التونسيون والتونسيات في كل الأماكن.
وهل صمدوا او كيف عاشوا وهم كغيرهم من سكان الارض يعانون من تفشي الوباء العالمي.
تجمع التحليلات الاجتماعية والإحصائية للمصادر الرسمية والوطنية والدولية في سجل ويوضع على الانترنات للتصفح ولا يهم ان يطبع او لا يطبع التقرير، المهم ان تتم معالجة هذه الموضوعات على المستوى الإحصائي ، من التفكير النظري والعمل التجريبي من خلال التحقيقات النوعية والكمية.
هذا العمل تقوم به كنفدرالية الايطاليين في العالم، منذ عقود من الزمن وايطاليا هي اكثر الجنسيات الغربية ترحالا بين البلدان في القارات الخمس وباستمرار الى يومنا هذا..
لكن يعرف عنهم كل شيء!!
احصاءاتهم محينة الى درجة انهم من اي مكان بفضل السجل الخاص بالمهاجرين الايطاليين المقيمين بالخارج سواء بالاقامة المؤقتة او الدائمة فهم يعرفون بدقة كم عدد المقيمين بالخارج، ويصل رقمهم الى 5 ملايين تقريبا وعدد سكان ايطاليا يقدر بـ59 مليونا.
بينما لا يحتسب عدد الايطاليين الذين حصلوا على جنسيات أخرى ويعيشون في دول أجنبية منذ عقود واصبحوا من أصول ايطالية، وهم ثلاث مرات سكان ايطاليا حاليا يعني ما يناهز حوالي 180 مليونا بالتمام والكمال.
“لكن لنبقى في أصولنا التونسية وطاح الكف على ظلو”!!
(*)”وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً” من أبيات قصيدة (سلوا قلبي) لأمير الشعراء أحمد شوقي، والتي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم، فهي التي جاءت في مدح النبي عليه السلام. وتتكون القصيدة من واحد وسبعين بيت شعري.