مدى تأثير الأسطورة الشعبية على الرّغم من تقدُّم الحضارة البشريّة

ننقلكم اليوم الى واحد من التماثيل الأثرية الأسطورية بأتم معنى الكلمة، حيث أخذ شهرته من أسطورة شعبية، الأكثر تصويرا في العالم والواقعة داخل أسوار روما العتيقة يسمى “فم الحقيقة” أو ما يعرف عند الايطاليين بـ “بوكّا ديلا فيريتا”.

تقول بعض التأويلات: “إذا كنت غير وفيّ ووضعت يدك داخل (فم الحقيقة) فإنك سوف تفقد أصابعك”.

روت الأسطورة أن فيرجيل أمر ببناء “بوكا ديلا فيريتا” لتوضيح الشكوك حول الوفاء عند الأزواج والزوجات.

وتشير الحكايات الشعبية إلى ان فتاة شابة وجميلة، زوجة أرستقراطي روماني، كانت قد أُتهمت بالخيانة الزوجية لأنها تلقت زيارات من رجل آخر أثناء غياب زوجها. عندما علم الزوج بهذا الأمر لم يسمح لنفسه بالسكوت على هذه الفضيحة ولم يتأثر بدموع الفتاة، التي أعلنت نفسها بريئة، وطالب بخضوعها إلى سلطان “فم الحقيقة”.

وفي اليوم الذي ستخضع فيه الفتاة لهذا الفحص، اقترب منها شاب، غير معروف على ما يبدو، وقبّلها وانصرف.

أراد بعض الحاضرين أن يمسكوا الدخيل، لكنها أقنعتهم بالسماح له بالذهاب، مدعية أنه شخص أحمق وفقير. في الواقع، كانت هذه “حيلة” لأن عندما تضع الفتاة الشابة يدها داخل “الفم”، اصبح بإمكانها أن تدعي بكل جرأة أنها لم تقبّل أي شخص خلاف زوجها باستثناء قبلة هذا الرجل المسكين، الذي هو في الواقع شخص تعرفه جيدا.

ونجحت في ترك أصابع يدها سليمة مما أثار ارتياح الزوج ولكن بإهانة شديدة لـ “فم الحقيقة”، الذي رضخ لذكاء الفتاة، ومنذ ذلك اليوم لم يعد التمثال يغلق فمه لمعاقبة الخائنين.

وبرغم تعدد الأساطير التي لا حصر لها والتي طالت هذا التمثال، لا يزال “بوكا ديلا فيريتا” يثير فضول سكان وزوار المدينة الخالدة وتتدفق حشود السياح على هذا المعلم لتصوير أيديهم في “الفم السحري” ليعلنوا وفاءهم للمحبوب/ـة، وحافظ التمثال على شهرته وجاذبيته كعربون وفاء للحبيبة او للحبيب على حد السواء! وتستمر هذه الأسطورة مادام هناك زوار يأتون من كل اصقاع الدنيا ليخضعوا لامتحان عسير للمحافظة على أصابع اليد !

وعندما يسألون ما هو احساسهم عندما يضعون أياديهم في “فم الحقيقة” لا يخفون تأثرهم ويضعون الحركة في خانة “تجربة أشياء جديدة”..

في الواقع ليس “فم الحقيقة” سوى قناع رخامي كبير ركز على أحد جدران كنيسة “سنتا ماريا كوزمدين” التي شيدت في القرون الوسطى عام 1632م، ويعود نحت التمثال، الذي هو على ملك هذه الكنيسة، إلى القرن الأول ميلادي، ويبلغ قطره 1.75م ويزن حوالي 1300 كغ. الكنيسة فرضت منذ 2016 مبلغ 2 يورو للسماح للسياح بالوصول إلى التمثال والتقاط صورة واحدة لا غير لكل زائر.

وتذكروا ان الحرية ثمنها باهظاً.

نلتقي على ود انشالله، وكل عام وانتم بخير.