لهاذا لن يتوقف بوتين ولن تتراجع اوروبا

تُنسب الى الجنرال الفرنسي فوش Foch ‏هذه القولة الشهيرة :”لا مكانة للشك في الحرب لان من يشكك يخسر”.

فلادمير بوتين عوّد العالم على انه لا يشك حين يُقدم على عمل حربي.

اثبت ذلك في الشيشان قبل توليه رئاسة روسيا، وفي جورجيا بعد توليه الرئاسة و في القرم واليوم في اوكرانيا.

وهذا يعني انه لن يتراجع “قبل ان تحقق هذه الحرب اهدافها” كما صرح بذلك اول امس.

وحتى نبتعد عن سطح الامور ونفهم الاسباب التي دفعت رجل روسيا القوي الى التدخل العسكري في اوكرانيا فانه يجب الرجوع الى الوراء، الى 1923 السنة التي اعلن فيها الرئيس جيمس مونرو مبدأه (doctrine Monroe) المعارض للاستعمار الاوروبي في الامريكيتين والقاضي بمنع اي تدخل لاضطهادهم او التدخل في شؤونهم.

هذا المبدأ الذي بقى ساري المفعول الى اليوم وتوسع الى باقي مناطق العالم تعيشه القوى العظمى مثل الصين وخصوصا روسيا الما-بعد-الاتحاد-السوفياتي كمظهر للظلم والنفاق الغربي لانه يسمح للامريكيين و حلفائهم الغربيين باعطاء الحق لانفسهم القيام باعمال لا يسمحون بها لغيرهم، من ذلك غزو العراق-و بتعلاّت كاذبة- واستباحة اراضي سوريا و شن حرب على ليبيا…

في حين انهم تكتلوا لرفض تدخل روسيا في اوكرانيا رغم ثبوت السياسة العدائية التي تمارسها السلطة القائمة في هذا البلد تجاه الاقلية الروسية ورغم خرقها لتعهدها بعدم المطالبة بالانضمام للحلف الاطلسي.

هذا الاحساس بالظلم والتعالي وعدم الانصاف الذي يعتري الشعب الروسي هو الذي يدفع اليوم بالرئيس بوتين الى مواصلة حربه التي بداها لغسل الاهانات التي تعرضت لها روسيا منذ انفجار الاتحاد السوفياتي سنة 1991 ولإعادة الكبرياء للروسيين باعتبارهم ورثاء الاتحاد السوفياتي.

لكن الحرب اليوم ليست الحرب امس.

وحتى وان بدا بوتين قد اعدّ جيدا لغزو اوكرانيا فان دخول جيوشه اراضي الاوكرانية قد افضت الى تضامن اوروبي غير مسبوق وشاركت كل دول الاتحاد الاوروبي السبعة والعشرون في ارسال الاسلحة الفتاكة بما فيه المانيا التي تخلت لاول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عن سياستها السلمية لتدعم اوكرانيا باحدث الاسلحة.

وقد اعادت هذه الهبة التضامنية الغير مسبوقة الى الاذهان ذكرى مشروع الدفاع الاوروبي المشترك (C.E.D) الذي اقترحه جون مونيJean Monnet سنة 1950 ورفضته حكومة منداس فرانس Mendès France سنة1954.

في انتظار اعادة احياء مشروع الدفاع الاوروبي المشترك فان اوروبا بدعم من حليفتها الكبرى الولايات المتحدة الامريكية تلجأ الى سلاحها المفضل الا وهو السلاح الاقتصادي والمالي تستعمله ضد بوتين في شكل عقوبات متلاحقة ومتدرجة تستهدف البنوك و المعاملات المالية و الملاحة الجوية والبحرية وغيرها من القرارات التي تؤدي الي عزلة روسيا و تركيعها اقتصاديا.

ولم تتوقف العقوبات عند هذا الحد الاقتصادي والمالي بل توسعت لتشمل الرياضة و الثقافة وكل التظاهرات الدولية التي يمكن ان تحضرها روسيا و تظهر فيها.

اوروبا تريد ضرب روسيا في حقيبة النقود لخلق ازمة اجتماعية داخلية تكون منطلقا لسقوط نظام بوتين مثلما سقط النظام الشيوعي.

بوتين الذي يبدو انه اعدّ العدة لهذه الحرب وقرأ حساب العقوبات الاقتصادية يعلم ان الوقت ليس حليفه وانه مطالب بانهاء هذه الحرب في اسرع وقت لترك المجال لتفاوض يكون في صالحه.

لذلك فان هذه الحرب مرشحة الى ماتعرف مزيدا من العنف و الشدة والى ان تكون بسبب كل هذه الخلفيات والحسابات مفتوحة على كلّ الاحتمالات.خلاصة القول ان بوتين لن يتوقف في حربه واوروبا لن تتراجع في محاربته اقتصاديا.

والثابت في كل هذا ان اوروبا التي كان يظن زعماؤها ان الحرب على ارضها قد صارت من ذكريات الماضي لن تكون اوروبا التي قبل هذه الحرب