بقلم العربي الزغلامي
أمبنة فاخت تمثّل حالةً خاصّة في الفن الغنائي التونسي.
حين انطلقت في بداية تسعينات القرن الماضي تنبأ لها الجميع بمستقبل مشرق اعتبارا لما كانت تتمتع به من خصال ومزايا. فهي موهوبة، ذكيّة، حساسة وذات حضور قوي. يضاف الى ذلك ميلُها الطبيعي الى الاحتفاليّة وقدرتها الخارقة على صنع الفرجة، أو ما يعرف في لغة أهل المهنة ب”الشّو”.
ولكن…
بعد رحلات وإقامات في أكثر من عاصمة مشرقيّة وغربيّة التقت خلالها أكبر الملحنين والمتعهدين ، وبعد حضوة النظام السابق الذي فتح لها أبواب التلفزة وأركاح المهرجانات ومنها ركح قرطاج الذي شغلته لمرتين (1999 و 2004)، لم تجمع هذه الفنانة التي بلغت ذروة الشهرة وهي لم تتجاوز العشرين من عمرها، في محصولها الغنائي غير أغنيات تُعدّ على الأصابع، وما تبقى كان أداءً مكررا لاغاني فنانين آخرين مشرقيين وتونسيين بمن فيهم بعض المزاوديّة.
كانت أمينة فاخت، الى سنوات قليلة مضت، تغطي على فقر انتاجاتها بجمال أدائها لما كانت تختاره من أغان لكبار الفنانين وبما تصنعه من فرجة ممتعة تكسّر القواعد وتخالف التقاليد التي تنظّم الحفل الغنائي الشرقي من ارتداء لباس مناسب ومن احترام”مسافة الإبتعاد ” ومن الامساك عن الكلام عند الغناء وغير ذلك مما عوّدنا به فنانونا وما يزالون يتبعونه من ممارسات الى اليوم. على عكس ذلك لم تكن تتردد امينة فاخت في اعتلاء خشبة المسرح بفستان مفتوح الصدر وتنحني به دون اكتراث، كما لم يكن يهمّها الاستلقاء على الركح أو الدخول في حوارات خيالية لا علاقة لها ببرنامجها الغنائي…غير انّ تلقائيتها الطبيعية وجمال صوتها وقدرتها على الإطراب كانت تغفر لها كل تجاوزاتها عند الجماهير التي تضع مثل هذه التصرفات على حساب “الجنون” الفني وتقبله برحابة صدر.
اليوم تجاوزت الفنانة سن الخمسين(54بالضبط) ولكن لا شيء يبدو قد تغيّر عند أمينة فاخت. ما يزال سجلّها أو ريبارتوارها الغنائي الشخصي ضئيلا لا يضمّ غير بعض الاغاني، وما تزال تستولي على أغاني الآخرين لتملأ برنامجها، وما تزال تصعد على المسرح بلباس الصبايا المراهقات، وكأنّ كل شيء بقي جامدا لم يتحرّك منذ تسعينات القرن الماضي حين كان عدّادها العمري يصل الثلاثين سنة.
ورغم ظنّ هذه الفنانة فقد تغيرت اشياء كثيرة:
هي، أولا تغيّرت ولم يعد لصوتها تلك القوة، ولم تعد له تلك المساحة التي كانت له في ما مضى، قرارا وجوابا. وهي تغيّرت جسما وهيئةً وفعل الزمان فعلته فظهرت الكيلوغرامات الزائدة وبرزت المنحنيات والأشكال الغير مرحّب بها، ولم يعد ممكنا ارتداء ملابس الفتيات.
كما تغيّرت انتظارات الجماهير وصارت تطلب الطرب بهدوء وقدر بعد ان كثر عدد المجانين والمتطفّلين والمهرّجين في الساحة الثقافية والفنية.
تغيّر كل شيء وكل ما على أمينة فاخت الاّ ان تتغير هي الأخرى وأن تُراجِع بعض الأشياء. ولعلّ حفلها البارحة بمهرجان قفصة أثبت لها أن الجرأةَ قد تصبح تهوّرا، والطرافةَ قلّةَ ذوقٍ، و”الجنونَ الفني” تهريجا وسوءَ أدبٍ. كما عليها ان تهتمّ بانتاجها وتنجز لنفسها سجلاّ غنائيا قبل أن تداهم السنين ما تبقى من موهبتها.