• Login
  • من نحن؟
No Result
View All Result
السبت, 13 ديسمبر 2025
تونس مباشر
Français
  • وطنية
    • سياسة
    • جهات
  • عالمية
  • صحة
    • اخبار كرونا
  • اقتصاد
  • رياضة
    • كرة قدم
  • ثقافة
    • مرأة
  • حديث الساعة
  • كتاب وأقلام
  • أوتار حُرّة
  • منوعات
    • محيط
    • أوراق منسية
  • مباشر غزة
  • دروب
  • وطنية
    • سياسة
    • جهات
  • عالمية
  • صحة
    • اخبار كرونا
  • اقتصاد
  • رياضة
    • كرة قدم
  • ثقافة
    • مرأة
  • حديث الساعة
  • كتاب وأقلام
  • أوتار حُرّة
  • منوعات
    • محيط
    • أوراق منسية
  • مباشر غزة
  • دروب
تونس مباشر
No Result
View All Result
الرئيسية الاولى
      مسرح: اللّعنة مسرحا (3)

      مسرح: اللّعنة مسرحا (3)

تونس مباشر بواسطة تونس مباشر
منذ 11 شهر
في الاولى, اهم 10 اخبار, ثقافة, كتاب وأقلام
Share on FacebookShare on Twitter
         محمد مومن  

 “حَالَةُ طَوَارِئ“

                         لفتحي العكاري

    نواصل ونختم ما كتبناه حول مسرحية”حَالَةُ طَوَارِئ” لفتحي العكاري التي كانت ثمرة تمارين إعدادية وتكوينية لثلة من الممثلين الباحثين في إطار “مختبر الممثل- الباحث-مسرح بديل” وهو مشروع بعثه وأداره وأشرف على أشغاله الأستاذ العكاري. ونتج عن مل هذه الأعمال كتاب جماعي شارك فيه مجموعة من الأساتذة والباحثين والنقاد وعلى رأسهم العكاري صاحب المشروع. وقد جاء هذا الكتاب حاملا لعنوان “بِيدَاغُوجِيَا الخَلْقِ المَسْرَحِي”. ولقد تابعنا في مناسبات عدة نشأة هذه المسرحية وسعينا إلى الاطلاع ما أمكن على كيفية إعداد هذا العمل الفني وألفنا مقالة في الموضوع تحمل عنوان “اللَّعْنَةُ مَسْرَحًا”. وقد اقترحنا في جزأين بعضا من مقاطعها. وها نحن نقدم الجزء الأخير من هذه المقالة النقدية. وهي موجودة في الكتاب الجماعي المذكور الذي وقع نشره أخيرا خلال أيام قرطاج المسرحية.

                                      *****

خارج المقام أو نشاز

      لن نطيل وقفتنا في باب الفروق التي بين الحال والمقام أكثر مما وقفنا. ولكن أوضحها ما يجعله بينهما أهل التصوف. وقد أتينا على بعض من هذه الفروق. لقد  وضّحنا بما فيه كفاية أن “الحَالاَت”- وبلغاتٍ أخرى، “الأَحْوَالُ”- صفات وذوات متحوّلات متغيرات، في حين أن “المَقَامَات” ثابتة تكاد لا تتحوَر. إنها نادرا ما تتبدّل أو تتنقّل. ولكن ما بالنا ولغة المتصوفة؟ هل من اللازم والمفيد أن نعرج سماوات اصطلاحاتها؟ الأنسب أن نَبْقى في الأرض. لِنَكُنْ على مَقْرُبَةٍ من التّجربة. تجريبيّا، سبّقنا أنه من اليسير أن نُثبِت أن ما يَثبُتُ في عالمنا ليس سوى المجتمعات التي لا تستقيم إلا حينما تستوي كمؤسسات، أي كتنظيمات، هياكل وهيئات. لا مجتمع بلا نظام، أي بلا قوانين وهي ليست “حَالاَتٍ”، لأنها ليست متحوّلات زائلات مثلها، بل هي من المقامات، أي مِنْ مَا مِنَ القواعدِ  يَحكمُ ُ الأنظمةَ، فما هي من المتغيِّراتِ. أليس من المدهش أن يتوافق كما هنا المعنى الصوفي والمعنى الموسيقي؟ بلى، المجتمع مقامات. هو موسيقات؛ إنه أنظمة سمفونية. ودون أن تُشَخِّص لنا الأشياء جهارا َ أو تُجسِّدها لنا نهارا، ودون أن تُعَيِّنها وتُحدِّدها لنا فتُبَيِّنَها بَهارا- (وهي، والحق يقال، ليست في حاجة لكل نوافل القول هذه) تقول “حَالَةُ طَوَارِئ“: بعد “الوَاقِعَةِ” وما أدرانا ما الواقعة، هَوَيْنا في “الهَاوِيَةِ”، وما أدراك ما الهاوية، الدَّرَك الأسفل من النّار، نَعَمْ، النّار الحمراء الموقدة، يعني ما هو جحيم في جحيم. وقعنا كما في جُبّ في اللاَّنظام، يعني، نعم، في اللاَّمجتمع. صرنا في مجتمع اللاَّمجتمع. ألا ترانا كيف أصبحنا نحيا كما تحيا قطعان الذئاب أو أدنى؟ وبما أن المجتمع مقامات، إذا خرجنا عنها كما خرجنا وغادرناها كما غادرناها لا بد من خسراننا لها. أينه عيشنا المشترك؟ نعم، نعم، ومقاماتها. تقول” حَالَةُ طَوَارِئ” جهارا نهارا بهارا: ضيّعنا موسيقانا ومقاماتها. ثم إن هذا  ” الإنْذَار” يدعونا، في ما يدعونا، إلى أن ننظر إلى مجتمعنا عسانا نرى أن هذا العالم الذي نعيش فيه كما نعيش فيه متوهمين أنه نظام، ليس بنظام ! كلاّ ثم كلاّ. وما أن نراه على حقيقته حتى نراه قد تهاوى، وتهاوى تماما كهّرَمٍ، هرم عِمرانيٍّ، فِرْعَوْني، أو كهرم موسيقي، سنفوني، “مُوزَارْتِي” (نسبة إلى “مُوزَارْتْ”) تداعى فصار عمرانيا كالأطلال، وتزعزع فتزلزل فأصبح موسيقيا كنَشَازِ في نغم. نعم، كان هذا المجتمع قبل الواقعة، قبل هذا “الشَّيْء” (هل نقول قبل هذا الذي سمّوه “ثَّوْرَة”؟)، كان كالهرم، وها قد انخرم وانهدّ فسال كَسَيْلِ العَرَم. نعم، صرنا في عوالم بلا قوانين ولا ضوابط. ضيّعنا المقامات وصرنا حالات. تحدّثنا “حَالَةُ طَوَارِئ” حديثا يبدو ساخرا ولكنه مصدوما مقهورا فتقول في ما تقول: لم نربح القيم “الثّورية” وربّما أيضا لم نخسرها لأنه وببساطة لا وجود لثورة. ربما كانت هناك حالات غضب عارم وهيجان جامح ولكن متى كانت الثورة هيجانا جارفا فحسب؟ هي أشياء وأشياء في البال وأشياء أخرى في العقل والقلب والخيال، هي آمال وأحلام وحلو أوهام (أجل، إن للأوهام أحيانا حلاوة ! أحيانا) . ولأننا صرنا نعيش في ما لا يمكن أن يكون مجتمعا حسب الأعراف و”العقود الاجتماعيّة”، في هذا اللاَ مُجْتَمَع، أو في ما يمكن تسميته خلال لحظاتِ سخاءٍ ومَنٍّ مِنّاَ ب “شِبْهِ مُجْتَمَعٍ”، مجتمع لا يرتقي تماما إلى هيأة وهيبة مجتمع، تحوّلنا إلى “حَالاَتٍ”، وهي حالات “فَوْضَى”. وإن شئنا التّوضيح والتدقيق أكثر، هي ليست حالاتِ فَوضى، بمعنى حالاتٍ مقتطَعَة ومقْتَطَفَة من وضع عام ما انتابته فجأة موجات عابرة زائلة من اختلال النظام والانتظام أو لحظات انخرام الانضباط. هي ليست كما كان يُقال أنذاك، في زمن الهيجان، “انْفِلاتَاتٌ”، لا. وهي ليست خروجا عن الحدود وهروبا من القانون، لا. ليست استباحة للممنوع أو تحليلا للحرام، ولا تنكّرا للعرف ونكرانا للمعروف، المعروف من سلامة الكلام والتفكير واستقامة السلوك، هي ليست اختراقات وتجاوزات ولا اعتداءات، لا.  توحي “حَالَةُ طَوَارِئ” إلينا قائلة: لا، لسنا في أوضاع عابرة ستمر ولن تترك سوى ذكرى مؤسفة، وسيعود النظام والشمس والسماء الصافية. لا إنها تؤكّد أننا في زمن أخطر وأفدح: زمن الفوضى. وزمن الفوضى زمن لا تاريخي. ربما كان “ثُقْبا أَسْوَدا” في التّاريخ. ولكن الفوضى، الفوضى في التّاريخ، تلك التي تحملها أيّام الشّعوب، هي ليست كما نظن “من التّاريخ”. كلاّ. هي، إن شئنا تعبيرا آخر، “فِي التَّارِيخِ” دون أن تكون “مِنَ التَّارِيخِ”. ولا نَحْسِبَنَّها  من “مَا قَبْلَ التّاَرِيخ”: هي من “مَا تَحْت التَّاِريخِ”.  هي ليست “فَوْقَ التَّارِيخِ” وإنما- ونشدّد على الأهميّة القصوى لهذه النّقطة- “تَحْتَ التَّارِيخِ”. هي غير خارجة عن التّاريخ لأنها ليس لها خَيار آخر إلاّ  أن تكون فيه : أليست هي إفرازا له ونتاجا؟ إنها شاءت أم أبت في مسار تاريخي، بما أنها نتيجة لعهود وعقود سبقت. ولكن رغم ذلك فهي لحظة تَدَنِّي، حقبةُ تقهقر وتخلّف. وبسبب من هذا فهي لا ترتقي إلىى تاريخ يمكن حتى أن نَسِمَهُ بِكَوْنِهِ “قانونَ الغابٍ” الذي هو بدوره لا يسمو إلى مرتبة التّاريخ. وإنما هو حالات ومقامات، سلوكيات وممارسات: ليس هناك، ولا يمكن أن يكون هناك مكان أو إمكانية لمجتمع تحكمه قوانين الغاب. وما معنى قوانين الغاب إن لم تَعْنِ سلطان  وسلطة الأقوى على الأضعف؟ لا يسمو مجتمع الفوضى الذي نحن فيه إلى هذا الغاب. قوانين الغاب! ما هذا؟ هل نمزح؟ وهل يسود في “مُجْتَمَعَاتِنَا المُتَحَضِّرَة” الضعيف على القوي أو يتساوى معه؟ مَنْ، حتى وإن كان منَ العقول السّاذجة، ما زال يصدّق مثل هذه الأكاذيب والمغالطات، ذلك لأنها تمويهات وخزعبلات وترّهات. وهل تجاسر وتجاهر يوما أحد منا بحبه لما يشبه قانون الغابِ؟ كّلنا يتظاهر بكرهه وباحتقاره له ويتحدّث عنه بتعال وكأننا نحن وأهلينا وكل بني آدم نعيش حسب أسلوب حياة أحسن وأنبل من حياة الغاب. ولكن أيننا نحن من الغاب وقانونه الآن؟ نحن في الفوضى التي لا قانون لها. وأن تكون فيها يعني أن سنوات ضوئيّة تفصلك عن مجتمعات قوانين الغاب. الأدهى والأمر أننا بِفَوْضانا تجاوزنا كل هذا. مجتمع الفوضى ليس مجتمعا مُتَأزِّما مضطربا مُتَزَلْزِلا و سيكون يوم يشفى فيه. وهو ليست حالات حرب ساخنة حتى وإن كانت أهليّة فالفوضى هي على عكسها حرب ليست وقتية عابرة، وإنما هي باردة ودائمة لا تقع بين المجموعات فقط بل بين الأفراد أيضا. هي حرب شاملة. يحجبونها عنّا، ولكنّها هي هنا وهناك، وهي في كل مكان وزمان؛ إنها على أشدّها حتى وإن لم نشعر ولم نع بها. ومع الفوضى، نحن في “مَنَاطِقَ” أخرى، نغادر فيها مجتمعات قانون الغاب. وها نحن هنا. في هذه “المَنَاطِقَ”- بالمعنى الجغرافي و الفكري أو العقلي للعبارة- التي لا وصف لنا لها. وبما أننا هنا، في هذه المناطق التي يسودها الانهيار والانجراف، ترانا نتساءل ما الذي يشرّع لنا أن ننتقد من عليائنا الوهميّة مجتمعات الغاب وقوانينها وكأننا نحن وكافّة الجنس البشري نعيش حسب منوال حياتي نموذجي أحسن وأفضل منها، له كل المثل والفضائل المنشودة التي نحلم بها جميعنا (جميعنا؟): خصال المروءة والكرم والتسامح والإخاء والعدل والحرية والحب والوئام ؟ ما هذا ! أليس هذا منتهى الحماقة والسّخف؟ أو حقا هذه معتقداتنا؟ يا لِلأوهام ! يا لها من نرجسية تترجم بإطناب وإسهاب عن تفاهة الإنسان. إن حماقتنا نحن البشر بلا حدود. هي غباوة، وهي خبث، وهي مكر. نحن نستخفّ بهذا الذي سمّيْنَاهُ العوالم المحكومة بقانون الغاب والحال أن جميع عوالمنا، قديمها وحديثها، عوالم هذا الحيوان الغريب الذي نطلق عليه اسم البشر، لا تُدْرِكُهُ. وهي لم تبلغه أبدا طيلة تاريخها. ورغم أن عوالمنا أكثر وحشية من عوالم الحيوان فهي ما برحت تَتَبَجَّحُ أنها الأفضل. تقول “حَالَةُ طَوَارِئ“: هذا الكلام لم يعد مقبولا ولا معقولا. هذه من أساطير الأوّلين للأوّلين. إنها أكاذيبب ومغالطات. وقد صارت غير مسموح بها لأنها دامت أكثر من اللزوم. ولنقلها بوضوح : إذا كان عالم الحيوان عالما فيه القوي يعتدي على الضعيف ويظلمه، فإن عالم الإنسان لا يعرف القانون أصلا، حتى وإن ادّعي العكس، وحتّى وإن صارت جميعُ ادّعاءاته أصبحت لا تُستساغ ولا تُحْتَمَل. وحينما يعترف أحيانا لسبب أو لآخر أن عالمه محكوم بقانون الغابِ، أقواله لا تعني شيئا قياسا بالفوضى التي أصبح المجتمع الإنساني عليها : نحن في دنيا ليس فيها قوانين إطلاقا. فهذه المقارنات من الأساليب الجهنمية التي يستعملها الأقوياء ليستعبدوا الناس ويستضعفوا المستضعفين في الأرض. هي أسلحة خبيثة يستخدمونها ليسلبوا الخيراتِ، والأموالَ والأجسادَ والعقولَ والأرواحَ وكافّة نِعَم الحياة وما فيها- بشرا كان أو طبيعة وحيوانا. قانون الغاب! يا ليتنا كنا فيه، هذا الغاب، وكنا تحت ظلال قوانينه! ثم بعد هذا وقبله، أيْنَه، هذا الغاب؟ أين تراه؟ يا حسرة عليه ! وتوحي “حَالَةُ طَوَارِئ” ما توحي؛ تحكي أشياء وأشياء لا نراها وربما لا نسمعها أو لا نسمع بها أصلا. تقول في ما تقول، وتسألنا في ما تسأل : ألم نَهزم الطبيعة ونَهْدِمها، ألم نُمِتْها ونَدْفِنْها؟ ألم نعصف، نحن معشر البشر، بِدُنْيانا كلّها كما تعصف الزوابع الهوجاء حتى جعلناها كعَصْفٍ مأكول؟ ها قد صارت أرضنا صحراء، لا حياة ولا حيوان فيها! فهل نسينا؟ أتينا على الأخضر واليابس، أفنينا ما أفنينا، ما في البرّ وما في البحر. ولم نُبق ولم نَذَر. هل نسينا؟ فأينها بِيئَتُنا الغَنَّاء، وأين مِنّا طبيعتنا الغرّاء؟ أين محيطنا؟ ومحيطاتنا، أينها؟ أما بقي شيء يحيط بنا؟ أين كوكبنا، أين أرضنا؟ “حَالَةُ طَوَارِئ” تصرخ فينا: جعلتم دنياكم قفرا صحراء. بيداء، جعلتموها لا غابَ، ولا قانونَ غابٍ فيها. غيَّبْتُم الغابات وزمانها فمضى وانقضى. ها أنكم صرتم ترجون وتبتغون أن لو لم يغب وينجلي! فيا حسرة على أوقات الأدغال، على براءتها وسحرها! افْتَضَحْنا. وها قد بان الآن، في أزمننا البائسة، أن الوحوش ليست سوى كائنات ملائكية قياسا بوَحْشِيَتِنا القاسية. وربما لم تقل “حَالَةُ طَوَارِئ” كل هذا. لكن أحسنَ من قولِ ما تَقول، ما تُوحِيهِ. لنقل إذن إنها توحي لنا بحنق، بغضب، بحسرة ولوعة ما في معناه أننا كذبنا على الكائنات جميعها وافترينا عليها ما افترينا! شَيْطَنَّا جميع ما في الأرض وما في السماء. فهل قارَنَّا بيننا نحن البشر وبين ما ليس بشر، بين الحيوانات وغير الحيوانات من نبات وطير وشجر؟ كيف لا نرى أن بربريتنا، نحن بني آدم، ليست لها حدود وأنها فاقت وَحْشِيَّةً كافة الوحوش وأبشع المخلوقات الأخر؟ والآن؟ الآن، أما آن الأوان بالاعتراف؟ ولكن هيهات هيهات، لن نعترف. أنسينا أن الإنكار والنكران، النسيان والتناسي من “شيمنا” نحن البشر، البشر لا الحيوان. كل يوم أتحسّر أنني أنا، ولست قطّي “مَاتِيسْ” أو العصفور الذي يتحدّاه كل صباح من وراء الشبّاك.

 الإنسانية؟  ها ها هاه!..

         ولْنَنْظر المقطع الثالث أو الحركة المُعَنْوَنَة ب “تَجَلِيَات” (ذلك أن كل المقطوعات في نص “حَالَةُ طَوَارِئ” تحمل عناوين فرعيّة) ! هذه “الحَرَكَةُ”  تفيدنا بمقولة لا تحتمل النّقاش: الوحش هو الإنسان. ها هو لا يتردّد في وَأْدِ البنات، بناته. ونحن نسمح لأنفسنا أن ننتخب هذه “الصَّفْحَة” مما يمكن اعتباره “دَفَاتِرَ ” أو “مُذَكَّرَاتِ مَا بَعْدَ الكاَرِثَةِ “لا لشيء إلا لأن كتابة “حَالَةُ طَوَارِئ” تتّخذ أسلوبا درامتورجيا يقوم على التّقطيع والمقاطع (وبالخصوص “التَّقَاطُعِ”  بين المقاطع أيضا)، أي اللّوحات أو المشاهد المستقلة التي تستهزئ بالتسلسل الزمني وتتابعه. وتتمثّل هذه المقطوعة الثّالثة في تلاوة لسورة “الحَشْرُ” بصوت عَبْدِ البَاسِطِ عَبدُ الصَّمَدِ. وتتقاسم هذه التّلاوة  تَقاَسِيمٌ حَرَكيِةّ (من “الحَرَكَة “) يقوم بها مؤدٍّ، هو فتحي العكاري عينه، في ما يشبه الدّور، دور “الشَّيْخِ”، لا نعرف له وظيفة معيَّنة أو هويّة مُحَدَّدَة، وَجْهٌ كالطّيف بل كالشّبح، يظهر ويختفي، بلا مبرّرات، بلا أسباب أو مسبّبات. المقطع يُسْمِعنا ويُرِينا ما يفيد أن الإنسان،  نعم، لم يعد – ولعله لم يكن أبدا! – خليفة الله في الأرض. لقد نسينا عهد الله. وكيف لِمَنْ نَسِي مِن الخَلْقِ العَهْدَ أن يخْلِف خالِقَ الخَلْقِ؟ ها هو المُسمَّى ” الشَّيْخ” في حالات يبدو فيها مُتِكَشِّفا على عوالم لا نعرفها ولا ندركها، لنقل لا يمكننا أن نبلغها بِيُسر. يقوم الشّيخ بتوقيع التّرتيل حسب إيقاعاته الجسديّة والروحيّة. إنه في تَجَليات لا يعرف أسرارها إلاّ هو لأنه أسرى أو عرج. أحيانا تتوافق حركاته وآياتِ الذّكر الحكيم لكنها سرعان ما تنشز وتنفلت لتعود وتلامس ما فرّت منه ونفرت. هناك إذن أحيانا توافقات وأحيانا أخرى لا تناسبات. هذا العزف الحّرَكِي والصّوتي تنضاف إليه فجأة آتية من البعيد موجات موسيقية تأتي من البعيد خافتة تتقوّى تدريجيّا فتقترب منّا وتصاحبنا شأنها في ذلك شأن التّراتيل القرآنيّة التي هي أيضا عَلَت ومِنَّا دَنَت ثم خفت وعنا بعدت. في البداية نحن شهداء على حوار بين الآيات المرتّلة وبين التقاسيم الحركية التي يقوم بها الشيخ. ولكن ما يلبث أن يلتئم الكلّ في إيقاعات قائمة على الصعود والهبوط والمدّ والجزر والمراقصة والتداخل، على التدافع والتشاجر والتسابق والتنافس، وتنتهي هذه الجلبة في الأخير على ما يشبه الوفاق الصوتي والموسيقي والحركي. وكأننا أرسينا على نوع  ما من التناغم. نمرّ إذن من التنافر إلى التوافق. في الأثناء. ألا نفهم أن ما يُقال لنا هو هذا، ولا شيء غير هذا: أن من رَحَمِ الفوضى والجلبة يَنْشَأُ ويُولَدُ ما هو سنفوني. من الكَاهُوسْ اليوناني القديم يأتي الكُوسْمُوسْ، من العَمَاءِ يكون الكَوْنُ. هناك تنويعات موسيقيّة وصوتية تَموجُ فتُتَوَّجُ في الختام ب “تَكْوِينٍ” يتألّف من مزيج تتآلف فيه التلاوات والتعبيرات، والحركات والألحان والايقاعات. وكأنّا بذاك الذي يبدو أوليّا تنافرا بين كافّة المصادر الصوتية والغير الصوتيّة، وشتّى التّوقيعات المتنوّعة والتّنغيمات المتغيّرة قد أصبح وانتهى تأليفا، بان نسيجا أو نصا (وهل “النَّصُّ” سوى نسيج متجانس؟) لا النص البصري فقط بل أيضا السّمعي لكامل “حَرَكَة”. نحن إذن بلا شك إزاء هَرْمَنَةٍ تتكوّن من عدّة أصوات (بشريّة) وحركات وألحان مختلفة متباينة: فهي مقطوعة بُولِيفُونِيَّةٌ، أصواتها متعدِّدة. وما عساها تذكّرنا به هذه الآيات المقتطفة من الذّكْرِ الحكيم؟ تذكرّنا بنهايات الدّنيا التي هي نفسها- كما رأيتَ- بدايات، بدايات العالم: لحظات من الخلق الأوّل. والنشأة الأولى لحظة منفلتة من الفَوْضَى. إنها فوضى العناصر. وهي هنا تتّخذ وجه الغضب الإلهي، الذي لا يحب الوأد ويكره الوائدين. غضب الله يوحي لنا أن الإنسان ظالم طاغية ضال ضلالا بعيدا، فكيف يتوهّم أنه خليفة الله في الأرض وهو ما برح يفسد فيها ويسفك الدّماء؟ إنه ذلك الكائن المفسد للموسيقى السنفونية الكونية. هذا هو الإنسان. ثم لنا أن نتساءل حيارى: تُراها من تكون هذه الموءودة في “الحَالاَتِ” و “الحَرَكَات”ِ التي سنراها؟ الاحتمالات بعدد رمال الصحارى. إن باب التأويل لمفتوح على مصراعيه. لعلّ المقصود بها كلّ صبيّة عرفت مصير البطلات التي يقع الحديث عنهنّ هنا في هذه الوضعيات الدرامية: أَلَسْنَ في الحقيقة صبايا دُفِنَّ حيّات؟ ونحن نسمعهنّ ونَراهنّ وهنّ في هذه الحالات الاجتماعيّة المزرعة واللاإنسانيّة، لا يمكن أن لا نظن أنهنّ هنّ مَعْنِيَّات. والصبايا هنّ هنا بلاغيا من صنف المجاز المرسل، من تلك الصور التي تستعمل الجزء للدلالة عل الكل: ولهذا علينا أن لا ننسى أن هذه الحالات هي مقاطع من حيوات تشير إلى مسارات، إن سياسية أو غيرها. وهي تُحيل على فترات تاريخ جميلة وساخنة، عرفت الوأد. والثورة أول موءودة. هي أول مولودة  وقع وأدها، ولا نعرف بأي  ذنب قتلت. نتم، وقع وأد أحلامنا كلها. نحن إزاء مناظر لا يمكن أن لا نرى من خلالها أن “حَالاَت” الشّخصيات المعروضة هي أحوال صبايا وقع وَأْدُهُن حيّات. فالوأد هنا رمزيّ. لنفهم ما يُقال لنا: لقد دُفِنَت جميع المثل العليا. وها نحن وجها لوجه أمام بشاعة الوحشيّة التي تسكننا. فما الوَأْد إلاّ صورة استعارية تتكلّم عن وحشيتنا جميعا نحن بني آدم حيث ما برحنا نعيث في الأرض فسادا حتى جعلناها أرضا يَبَابًا. وها قد أصبحت وحشيتُنا التي لا تعرف حدودا لا تُساوى. نحن قتلنا البراءة، قتلنا ملائكية فينا.  ما صرنا وحوشا شرّها المستطار لا يُضاهى. كلاّ ثم كلاّ، ما كنّا يوما مخلوقات لطيفة وديعة وبريئة. متى كنّا ولو ساعةً كائنات عاقلة، راشدة، عليمة، أو حيوانات واعية عارفة حكيمة؟ لو كنّا حقّا خلائف في الأرض لما تجرّأنا وَوَأَدْنا المَوْءُودَة : فبأيّ ذنب قُتِلت؟ هَنْهْ، بأيِ ذنب قتلت؟ لقد كنّا ولا زلنا كائنات ناَرِيَّةً فأَشْعَلْنَا الدُّنيا لَهَبًا. وها أتى زمن “الانْقِرَاضِ السَّادِسِ” (أَلاَنْ أَرْنُو). وما لي ومال الانقراض؟ هل نسينا  الانفجارات النّوويّة؟ اليوم الذي ينسف فيه كوكبنا آت لا ريب فيه. اليوم وعيد وغدا تحقيق الوغد ما وعد. فنحن نعيش من زمان “حالة طوارئ، على كف عفريت؟ كل هذا من بطولاتنا. نسمع الآيات البينات وهي تحدّثنا عن يوم الحشر والنشر، يوم النهايات التي هي كونيا كما أسلفنا بدايات، ليس فقط كما أتى في التّنزيل، ولكن أيضا في جلّ الميثولوجيات البدائيّة. لكن في الأثناء، بين بين، بين هذا الزمن وذاك، بين الزمن الأوّل والزّمن الأخير، بين زمننا وزمن النهاية، نهاية العالم، أليس هناك حياة؟ أليس هناك مجتمع؟ لا حياة، تقول “حَالَةُ طَوَارِئ“. لا مجتمع. فوضى. ولا شىء في الآفاق. كأننا في حياة ممات برزخية. فكيف لا نسخر ونطلقها ضحكة برحابة الأرض والسماء، بكِبَرِ العالم ووسع الكون؟

  لما بعد الكارثة مسرحٌ يحكيها

    والآن؟ كل المنظومات تداعت. والقيم؟ ضاعت. والمبادئ، ما حال المبادئ؟ تلاشت. لقد ماتت الجهات الست. ها أن “حَالَةُ طَوَارِئ” قالتها بصريح العبارة وفصيحها. وإذا بخاطر خطير يخطر على بالنا: هل حقا نحن مع “حَالَةُ طَوَارِئ” حيال تنبيه؟ نشكّ في أنه تهديد: فالخطر ليس بداهم. والأكيد أنه ليس بآخر تهديد: فحتى وإن كان خطيرا، فلا شيء يشير إلى أنه وشيك. لقد غُلِّقت الأبواب وشرّعت النوافذ؛ وها نحن نسكن في ما لا يُسْكَنُ. مسكننا ليس ملجأ ولا مَقَرّا نطلبه القَرَّ فيُقِرّنا. ما نودّ قوله هو ذا: نحن في مهبّ الرّياح.” حَالَةُ طَوَارِئ” تقولها بحرقة حارقة. كل الخَيارات والامكانات أصبحت ممكنة، كل السبل، كل الاتجاهات صارت أمامنا، على مرمى البصر. ولكن كل هذا لا خير فيه لأنه فاتح على الفوضى. الشّارات تدلّ على أنه لم يعد شيء في عِداد الممنوعات والمحظورات. باتت الطَابُوهَاتْ جميعها من سالف العصر والأوان. والمكروهات- أنظر إلى المكروهات! ألا تراها قد زالت وباتت من الماضي الذي بدا لنا فجأة سحيقا. لم يبق من الزمن الذي عبر وغبر، سوى صور مزعجة مؤلمة. والأشدّ إيلاما أنها أمست لا أثر ولا تأثير لها على أحد منا. فمن مِنّا يا ترى ينزعج منها؟ لِنُعِدْها: لقد هلكنا، قضى نحبنا وانتهى أمرنا. صرنا ذكرى. المصيبة وقعت، والكارثة حصلت. يبدو أن الإنذار أتى متأخرا. تنطلق المسرحية انطلاقة كارثية، بصفّارة إنذار فزع وخوف. لم يعد أمان. لا سلام، لا كلام، لا كلام إلاّ للرّعب، للرهبة والإرهاب. افسحوا المجال للصراخ والصياح! فحالة الطوائ ها هي حالة واقعة نعيشه. إنما هي حق لا ريب فيها. ولنستعد للنهاية! وتذهب “حَالَةُ طَوَارِئ” أبعد مردّدة أن الكارثة حدثت وأنّا في زمن الحشر والنشر: نعم “الوَاقِعَةَ” وقعت. فُتحت أبواب جهنّم الحمراء. لا، لا، الأصحّ أن نقول إنّا في زمن ما بعد الكارثة. للمسرح فيما سلف حكايات مع الكارثة، فما بالك فيما بعدها؟

    مهم أن نقول إن تجربة العكاري تندرج في هذا الخيال الدرامي الكارثِيِّ الكَوَارِثِي. لا يحلو لصاحبها الحديث كثيرا عن الكَوَارِثِ، بل يحبّذ التّكلّم عمّا يسمّيه “جَمَالِيّةُ الفَوْضَى”. أو لا نلمس بينهما تشابها وتقاربا؟ واستقامت التّسمية أو لم تستقم، المهم أنها تحيلنا على أمثال الجماليات التي لا تستكين. فهي لا تطمئن على حال ولا ترتاح إلى أيٍّ من أصناف الانشائيات المسرحية التقليديّة، الكلاسيكيّة منها والحديثة. وفي الحديثة فاضت على ما كان ما هو جمال أو فكر رومنطيقي، طبيعي، رمزي وحتى سريالي وعبثي. فهي جماليات لا تعنيها. إنها لا تجد لها في نفسها صَدًى أو هَوًى. ربما خرجت عن المقامات وودّعتها. هربت لا ريب من مجمل التصنيفات. ما لا نرتاب فيه أن “جَمَالِيّةُ الفَوْضَى” هي من جماليات مسرح مَا بَعْدَ الكَوَارِثِ سليلة فكريات مَا بَعْدَ الحَدَاثَةِ التي أنتجتها. وهذه حكاية قد تطول حكايتها. 

                                                           انتهى

تونس مباشر

تونس مباشر

© 2021 تونس مباشر - يمنع نسخ المواد دون الحصول على اذن مسبق.

No Result
View All Result
  • وطنية
    • سياسة
    • جهات
  • عالمية
  • صحة
    • اخبار كرونا
  • اقتصاد
  • رياضة
    • كرة قدم
  • ثقافة
    • مرأة
  • حديث الساعة
  • كتاب وأقلام
  • أوتار حُرّة
  • منوعات
    • محيط
    • أوراق منسية
  • مباشر غزة
  • دروب

© 2021 تونس مباشر - يمنع نسخ المواد دون الحصول على اذن مسبق.

Welcome Back!

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In