كثيرون هم المثقّفون التّونسيون الذين يتابعون تطوّرات معرفة الفضاء الكوني، بل الكون ذاته الّذي يحتوي على آلاف الملايين من الكواكب والنّجوم والّاجرام السّماويّة كالَّنيَازك والسُّوبَرْنُوفَا. من بين هؤلاء المثّقفين المهتّمين بالأوضاع الفلكيّة الباحث المتّميّز الأستاذ عبد الرّحمان العرباوي المنتمي مباشرة لعلم الهيئة المتخصّصة في بحث الكواكب على صعيد تحليل واقعها ومواقفها وعلاقة بعضها ببعض من حيث قياس المسافات الضّوئيّة بينها من البعد والقرب وشبه التّجمع والتّفرّق في فضاءات رقعتها واتساعاتها التي تقدر بمليارات المليارات وآلاف المليارات المليارات من الكيلومترات بحسابنا البشري اليوم. لا بحساب القياس الضّوئي.
والأستاذ الباحث الفلكي عبد الرّحمان العرباوي يشارك علماء الفلك والهيئة في نظريّة علمية تقسّم الكون إلى نصفين غير متساويين ولا متعادلين من حيث الحجم والواقع والطبيّعة، فهناك قسم من الكون يُرَى وهو القسم الصّغير والضّئيل وهناك قسم ثان من الكون وهو لا يُرَى وهو القسم الأكبر والأعظم.
الإنسان العالم والباحث يعلم علم اليقين بأنّ الكون يشتمل على أسرار وخفايا وطلاسم وغرائب وأضواء وظُلُمات قد بذل الإنسان جهوده البصريّة والفكريّة الفيزيائيّة والرّياضيّة والكيميائية والجيولوجيّة طوال القرون التي تغرق في القرون الماضية وذلك في سبيل معرفة تركيبة الضّوء وسرعته من مصدره إلى هدفه، وما هو سداه وطاقته ومادته. وهذا ما سعى إليه الأستاذ الباحث عبد الرّحمان العرباوي أن يشرحه في كتبه النّظريّة العلميّة بالّلغة الفرنسية والصّادرة خلال السّنوات الأخيرة.
وعندما يرفع الإنسان رأسه ويلقي نظرة شاملة خلال الّليل يرى النّجوم كالقناديل المعلّقة تتالّق بأضوائها المرتعشة في سواد السّماء، ولعلّه يرصدها بالمنظار المنتصب على قمّة جبل عال جدًا فهي بعيدة قاصية البعد عن رؤياه الطّبيعيّة والصّناعيّة. ولعلّه أيضًا يلاحقها ببصريّات إلكترونّية متطورّة يُرْكِبُها على متن صاروخ عابر للفضاءات الكونية ولكن دون جدوى. ورغم كلّ ذلك فإنّ الإنسان الحديث قد استطاع أن يحلّ بعض أسرار الكون، كتجّمع النّجوم والكواكب في وحدات فلكية إسمها مجّرة، فالمجّرة الّتي هي فوق رؤوسها خلال اللّيل قد سميّت بدرب التّبانة. ولكن الكون يشمتل على ملايين المجرات ويتجاوز ذلك العدد الّذي نندهش له ونستغرب! كمجّرة أَنْدْرُومَاد ومجّرة صُمْبْرِيُو… فكيف الوصول إلى هذه المجّرات وبعيدة عنّا بمليارات المليارات من الكيلومترات الضّوئيّة؟ على أنّ باحثنا الفلكي الأستاذ العرباوي الّذي يعلم أنّ الإنسان لا يمكن له في العصر الحاضر أن يصل إلى تلك الأجرام القاصية فركّز اهتماماته النّظريّة الفلكية على إشكالية السَّوَاد الذي يغطّي معظم الكون إذ أنّ المادّة الكونيّة سوداء والطّاقّة هي سوداء أيضًا إذ المادة تفرز الطّاقة، بالإضافة إلى الضّوء الأسود. ولكن كيف يمكن استكشاف هذه العناصر الكونيّة السّوداء؟ كان جواب العلماء هو ممكن بفضل القيام بالمعادلات الريّاضية المعقّدة والمتطّورة والحسابات الفيزيائيّة والتحاليل الكيميائية لغاز الاهيدروجان وسواه من الغازات الأخرى المنتشرة في فضاء الكون. وقد شرع الإنسان القيام بمثل في مثل هذه العمليّات العلمية منذ أواخر القرن التّاسع عشر إلى هذا اليوم. هكذا أوجد نظريًّا وحسابيًا ما يُسمّى “بالثّقب السّواد” الّتي خيّر وجودها العالم، فما وجودها؟ وما هي طبيعتها ووظِيفتها وعملها في الكون؟ ألها عنصر إيجابي وعنصر سلبي مترابطان معًا أو مفترقان كما هو شأن الضّوء النّجومي؟ لعلّ العام الجديد 2025 يطلّ علينا بحلّ معرفي يشفي غليلنا للمعرفة العلميّة الفلكيّة ولليقين وللأمل…