
اكتشف التونسيون من خلال ارقام التعداد الوطني الذي أُعلن عنه اليوم، أن بلادهم تتعرّض لظاهرة “تباطئ النموّ السكاني”، اذ نزل هذا النمو الى أقل من 1% ، ليبلغ نسبة 0.87% ، وهي نسبة تضع البلاد على عتبة حرجة توشي ببدء عملية تحوّل يمكن ان يكون خطيرا بالنسبة لحاضر البلاد، ناهيك عن مستقبلها. انّه التشيّخ!
لماذا هذا التراجع في النوّ السكاني ؟
الاسباب عديدة،
واولها اقتصادي دون شك.
الوضع الاقتصادي اليوم صعب حتى لا نقول سيّء، وسوء الحالة الاقتصادية المتواصلة منذ حوالي عقدين من الزمن من شانها ان تؤثّر سلبا على الحياة الاجتماعية في ظل التراجع الملموس المتزايد لنسب النموّ، ولمستوى العيش والمعيشة. وقد أثّر ذلك فعلا بعد ان أصاب الازواج الشابة بالتخوّف من المستقبل، وبالخوف، بالنتيجة، من الإنجاب.
وأما السبب الاساسي الثاني فهو ثقافي-اجتماعي. فرغم ما يظهر من تمسّك باحتفالات الزفاف بالصيف وصخبها ونفقاتها، فإن مؤسسة الزواج فقدت الكثير من قيمتها ومكانتها في المجتمع، ولم يعد الإنجاب اولويّة العائلات الشابة المنشغلة بمواجهة ضغط المتطلبات المادية العديدة والقاسية.
الى ذلك تضاف اسباب اخرى موضوعيّة متعلقة بالتمدد الزمني الدراسي بالنسبة للإناث، أو بالشعور العام السائد بعدم الاستقرار محليّا وعالميا. فالحروب والجوائح والبطالة والفقر كلها حقائق تُعاش يوميا.
ولعل أخطر ما يمكن ان يتهدد شبابنا هو شعوره بغياب آفاق مستقبلية فيندفع إلى النزوح والهجرة وينتج عن ذلك إفراغ جهات كاملة من طاقاتها المنتجة الخلّاقة مثلما يحلّ اليوم بمنطقة كانت تعدّ من أغنى وأنشط مناطق البلاد وهي ولاية الكاف، التي تعاني من نزيف سكاني متواصل منذ عقود طويلة رغم موقعها المتميّز.
وتبقى الحقيقة اننا في الطريق الى أن نصبح مجتمعا متهرّما، بما يعني ذلك من أخطار ومخاطر يتجلّى أوّلها وأهمها في اننا سنجد انفسنا نستهلك اكثر مما تنتج، لأن عدد الناشطين سيكون أقل من المتقاعدين. زد على ذلك تكاليف الشيخوخة السكّانية على الأمدين المتوسّط والطويل من دفوعات المعاشات التقاعديّةالشاملة، ونفقات الرعاية الصحية وتكاليف الضمان الاجتماعي…
خلاصة القول إننا نواجه اليوم تحديا لم نعرف له مثيلا من قبل، قد يجعل من تونس بلدا عجوزا ومقصدا للهجرة النظامّية ،وخصوصا، غير النظامية. وهو ما يفرض التجنّد لوضع سياسات تضمن انتقالا ثقافيا نحن اليوم في أشد الحاجة إليه لجعل مجتمعنا يستردّ شبابه وطموحه واحلامه.
حتّى نتجنّب أن نقول مرّة أخرى: “هرمنا!…”