بعد جولة خليجيّة بأربعة أيّام عاد ترامب مظفّرا بأربعة تريليون دولارا كما يعود التاجر المحظوظ بالذهب على ظهور الإبل. ولو بقي أسبوعا لعاد بسبعة من الكرم العربي الأصيل في شكل طائرة أو في صورة جمل. هكذا يتصرّف ملوكنا وأمراؤنا في خيرات الله من فضل الأرض المباركة بالنفط والحجّ والعمرة وإخوانهم يتضوّرون جوعا من الحصار ويتعرّضون كلّ ليل ونهار للقتل والدمار ما داموا مصرّين على رفض التهجير وصامدين في مواجهة جرائم حرب إبادة أمام عجز المنظّمات الأمميّة عن توفير الحماية وفتح أبواب الإغاثة بالغذاء والماء والدواء وكأنّ القانون الجنائي الدولي لا يطبّق على الكيان المارق والحكومة الظّالمة.
وسلاح العدوّ صنع في الولايات المتّحدة الأمريكيّة من عائدات السياحة الدينيّة وكأنّها الخراج المقابل لبقاء العائلة المالكة في ظلّ حماية أجنبيّة بقاعدة عسكريّة على حساب حقوق الفقراء في الأحياء الممنوعة من التصوير غير بعيد عن الحرمين الشريفين. وليست مزحة مطالبة رئيس من أهل الكتاب بنصيب من تلك المداخيل ما دام الجميع ورثاء إبراهيم وإسماعيل في البيت العتيق الذي رفعا قواعده وأنعم الله به عليهما وعلى ذرّيتهما في أرض غير ذات زرع صار معاشهم فيها من الزيارة والتجارة.
والله سبحانه وتعالى لا يسكن في ذلك المكعّب الذي كان معمورا بالأصنام حافلا بالقرابين، إنّه في كلّ مكان حيثما ولّينا وجوهنا لنصلّي له صلاة الفرض وصلاة الدعاء. وهو المستجيب لمن دعاه في أيّ وقت ومن أيّ موقع دون الاضطرار إلى التنقّل والسفر المكلفين الخطيرين ودون الاقتصار على موعد وميقات ومن غير التقيّد بشعائر من فرائض وسنن. والرسول (ص) حجّ مرّة واحدة كان يمكن ألاّ تكون وهو الأعلم بالدين والأحرص على العبادة في كنف النافلة والتقوى. وخلافا له يكرّر بعض الموسرين الحجّ والعمرة أكثر من مرّة خوفا وطمعا وفخرا وذكرا. وبالجوار عائلة معوزة أحوج ما تكون إلى بعض المساعدة عينا أو نقدا على معيشة ضنكى وفيها راغب أو راغبة في تعليم أو زواج أو فيها قاصر أو عاطل.
هكذا يهدر المال الوفير في سبيل الفساد في الأرض، ولا في سبيل الله ولا في خدمة البشر، وكأنّه أريد به أن يكون علامة عظمة وأداة إرهاب بدل أن يكون دليلا على سلوك عاقل وتصرّف منضبط ونيّة حسنة مخلصة للتضامن والتعاون ومؤمنة بالخير والسلام للجميع.
تلك هي القيم والمبادئ الأخلاقيّة والإنسانيّة التي بها يدخل العظماء كما هم الرسل والأنبياء إلى التاريخ في لائحة الخالدين. أمّا رؤوس الجاهلين الذين أعمتهم أنفسهم فكفروا بالنعمة فمآلهم في الدنيا إلى مزبلة التاريخ، وفي الآخرة مع المعذبين، لا ينقصهم شيء عن المشركين. لا شكّ أنّ هؤلاء الذين ليس لهم من الإسلام والعروبة أكثر من الاسم والنعت يسخرون في سهراتهم الحمراء من نلسون مانديلا الزعيم المناضل والرئيس المتسامح، ومن خوسي موخيكا أفقر رئيس في العالم وأغناهم برحمة الله. فلعلّهم كالمرضى النفسانيين بماضيهم عندما يسوؤهم أن يتذكّروا أجدادهم إذ يقتاتون من قطع الطرق على بيت الله نهبا وقتلا، ويحرجهم أن يروا صورهم إذ يسكنون الخيام ويرعون الإبل ويخاطرون بالغوص على الأصداف والمحار في أحسن الأحوال. أولئك لا تاريخ لهم، وهم للتاريخ كارهون، وعلى علم الآثار معترضون، فليس لهم من التراث أكثر من متاع البدو الرحّل ورقصة التلويح بالشعر تودّع بها القاصرات المأمورات الرئيس التاجر الساخر.
وفي الحقيقة فنحن الأغبياء إذ نعوّل على هؤلاء في قمّة كغيرها من القمم العربيّة مؤمّلين كلمة واحدة قويّة لإيقاف حرب غزّة ونصرة القضيّة. وحسبي الله ونعم الوكيل، كما هي صرخة المقهور.