هكذا ظهر لإحدى البلديّات لسبب ما، أن تشنّ حملة ليلاء على الكلاب السائبة، أكاد أشبّهها بإحدى غارات الكيان المحتلّ على غزّة من وجهة نظر صهيونيّة تعتبر الفلسطينيّين حيوانات وتتجاهل أنّ منهم نوابغ في الشعر والفكر والفنّ والطبّ.
هذا الخبر المؤلم ذكّرني بالمرحوم إن شاء الله أن يغفر له “خالي” على وجه الحقيقة عندما كان في خدمة بلديّة رادس في الستّينات من القرن الماضي يطيع أوامر “سي” عبد الله فرحات التي منها قنص الكلاب في غفلة النوم، صغيرها وكبيرها، من ذكر حارس وأنثى مرضعة. وكانت نهايته كما دعت عليه الكلاب لدى خالق الجميع، في ذلك الوقت الذي لم توجد فيه بعد جمعيّة الرفق بالحيوانات.
وهذا الخبر المؤسف ذكّرني أيضا بحديقة البلفدير وبذلك الأسد الفقيد، وأثار في نفسي شعور الخوف والعطف على الحيوانات السجينة بلا ذنب، وفي ظروف قاسية من قلّة الغذاء والرعاية كالمحكوم عليهم من الناس بالحبس المؤبّد حتّى الموت. فهي تتألمّ كلّ يوم إلى حدّ اليأس من مغادرة القضبان، ونحن كبارا وأطفالا نتمتّع بالفرجة عليها ونحاول أحيانا إثارتها بحثا عن السعادة عبر شقاوة المخلوقات البكماء وبإيذائها.
هكذا تنكشف أنانيّة الإنسان الذي فقد إنسانيّته ونسي أنّه كغيره من الكائنات الحيّة التي نبّهنا القرآن إلى أنّها أمم أمثالنا ذات نظام وشعور ووظيفة كما يقتضيه معاش كلّ جنس. وسفينة نوح، إن كانت حقيقيّة أو رمزيّة، حملت من كلّ جنس أو زوجين لإعمار الأرض بعد الفيض.
وإن كان لحدائق الحيوانات موجب أو هدف كتعريف من لا يعرف في مشهد حيّ يرى فيه الأوروبيّ على سبيل المثال حيوانات إفريقيا المفترسة والضخمة كالأسد والفيل والزرافة والنعامة فاليوم قد انتفى ذلك الموجب أو ذلك الهدف بما صار متوفّرا للجميع بفضل الصورة وآلاتها ومحاملها ممّا جعل عالم الحيوانات مادّة سرمديّة للأفلام الوثائقيّة وللفضائيّات المتخصّصة.
الأفضل تسريح البقيّة من” غوانتانامو” البلفدير في محيطها الطبيعي الأصلي لتعيش أواخر أيّامها حرّة مستقلّة في إطار منظومة بيئيّة متكاملة كما سنّها ربّ الناس والحيوان والنبات والجماد. والأفضل تسريح العصافير من الأقفاص لتحلّق في الفضاء الرحب وتبني أعشاشها وتتزاوج وتحضن بيضها وتربّي فراخها محافظة على نوعها كسائر الأنواع فيما فطرتها الغريزة عليه. عندئذ تسعدنا بزقزقتها الحقيقيّة بدل أصواتها النائحة والمستغيثة عندما كانت سجينة الأقفاص.
ولو كانت هذه من ذهب فهي دائما سجون معادية للطبيعة التي أصلها الحرّية والتعايش بين كلّ من فيها وما فيها. وحياة الإنسان بمفرده فيها لا تستقيم، بل لا تكون أصلا، لأنّها متعلّقة بحيوانات أخرى.
وحدها المتاحف والمحميّات الطبيعيّة يمكن أن تبقى كما هي السياحة في بلدان إفريقيّة مثل كينيا وطنزانيا حيث تنظّم جولات يكون فيها السيّاح ضيوفا على الحيوانات في مجالها وفي ظلّ حقوقها. في تلك الربوع الشاسعة تعيش آمنة محميّة بحرّاس مسلّحين يمنعون الصيّادين من الظلم والعدوان وإراقة الدماء للاتّجار بأنياب الفيل وقرون وحيد القرن.
وحديقة البلفيدير تصبح أجمل وأنفع إذا أزيلت أقفاصها وركّزت في محلّها ألعاب وأراجيح وأكشاك المشروبات والأكلات الخفيفة وصارت متنفّسا مريحا ومنزها تقصده العائلات خاصّة في العطل والأعياد والآحاد إذا استبعدت مدائن الألعاب بين ضفاف البحيرة وياسمين الحمّامات.
والشكر فيما كتبت مرفوع إلى بلديّة بومرداس وصيّادي ولاية المهديّة الذين وجدوا الحلّ في المجزرة حفاظا على القطيع والبشر من العدوان والعدوى بينما وجده المغاربة في ملاجئ الكلاب والقطط الضّالة بعناية جمعيّات الرفق بالحيوان بما أنّها تستحقّ الحياة بالطعام إذا بخل به الإنسان.