
تاريخ البشرية يتكرر ولكن بأدوار معكوسة تختلف زمانا ومكانا، فتارة يكون البعض غالبا فيصبح مغلوبا أو العكس بالعكس. تلك هي سُنّة الحياة وإنما تؤخذ الدنيا غِلابا.
بالأمس، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 حرر حلفاء “العالم الحرّ” يهود أوروبا من معسكرات الإبادة التي اعتقل فيها الجيش النازي عشرات الآلاف لإبادتهم. ولعل أهم هذه المعتقلات هو معسكر أشفيتس Auschwitz في بولندا الذي شهد حالات مروّعة من الأفعال اللاانسانية تضاهي بشاعة ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
كان أوشفيتز بيركيناو (1940-1945) هو معسكر الاعتقال والإبادة الرئيسي والأشهر من بين المعسكرات الستة التي أنشأتها ألمانيا النازية لتنفيذ سياسة الحل النهائي المتمثلة في الإبادة الجماعية لليهود الأوروبيين.
لقد كانت السياسة النازية المتمثلة في تهجير اليهود وإذلالهم وإبادتهم مبنية على أيديولوجية عنصرية روج لها حكم الرايخ الثالث برئاسة أدولف هتلر.
وبين عامي 1942 و 1944، أصبح أشفيتس معسكر الإبادة الجماعية الرئيسي حيث تعرض اليهود للتعذيب والإعدام بسبب أصولهم العرقية الدونية.
بالإضافة إلى الإبادة الجماعية لأكثر من مليون رجل وامرأة وطفل يهودي، وعشرات الآلاف من الضحايا البولنديين، كان أوشفيتز أيضًا بمثابة معسكر إبادة لآلاف الغجر من الروم والسنتي ذوي الأصول الهندية وغيرهم من السجناء من مختلف الجنسيات الأوروبية وكذلك المتخلفين ذهنيا وذوي الإعاقة العضوية.

“يواف غالنت” وزير الدفاع السابق في دولة الكيان الذي أصدرت في حقه محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال دولية من أجل “إثارة الإبادة، والتسبب في المجاعة كأسلوب من أساليب الحرب، بما في ذلك رفض المساعدات الإنسانية، واستهداف المدنيين عمداً في الصراعات”، يتباهى بكل صفاقة متحدّيا دول العالم الخِصيّة:
“نحن نفرض حصارًا كاملاً على غزة. لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود. كل شيء مُغلق. نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرّف وِفقا لذلك”.
لماذا يدفع الفلسطينيون فاتورة جرائم ألمانيا النازية ؟ لماذا تدفع دول الخليج العربية فاتورة حرب الكيان ضد الشعوب العربية ومقاومتها ؟ لماذا تصمت متواطئة إزاء التصفية العرقية التي تقوم بها الدولة العبرية ضد عرب فلسطين على مرأى ومسمع من الجميع ؟
إنه حلم تلمودي قديم وحقد عرقي دفين يُضمره بنو إسرائيل ضد البشرية قاطبة ولن يسلم من الشعوب أحد فكلهم “ڤُويم” إلى الجحيم ولن يبقى سوى “شعب الله المختار”.
من “حوارية مع رجل يكرهني” لشاعر الأرض المحتلّة الم سميح القاسم (1939-2014) يدور هذا الحوار بين السجّان اليهودي الحاقد وسجينه الفلسطيني الصامد في وجه الظلم:
“روما احترقت يا مجنون
روما أبقى من نيرون..
الدرب طويل
لن أتعبْ
ياهوذا باعكْ
لن اُصلَبْ
أجدادي احترقوا في أُشفِيتْسْ
قلبي معهم، فانزع من جلدي الأسلاك
وجراحُ الأمس ؟
دعْها وصمةَ عار في وجه السفّاح هناكْ …
يا مجرم
لم أسرق، لم أقتل، لم أظلم
يا عربي.. يا ..”
