
لو كنت مكان وزيرة الثقافة يوم توجيه عشرة أسئلة إليها في أواخر جلسات مجلس النوّاب لقدّمت استقالتي في ذات اليوم صونا لكرامتي في حال العجز عن الإقناع وأثناء توصيف أشكال من الفساد حقيقة بفتح ملفّ قضائي. وأنا مواطن عادي مساهم في المال العام الذي منه واحد بالمائة حسب ميزانيّة الدولة مخصّص للثقافة وغير كاف لها، وغيور على الثقافة والتعليم اللّذين ارتبطت حياتي بهما وارتكزت وطنيّتي عليهما ولم يضعف أملي ولا ثقتي فيهما. وأنا أيضا على وجه التحديد والتصريح مواطن مستهلك للثّقافة بكافّة قطاعاتها ومنتج على قدر الجهد في مجال الكتاب. ولا أبغض أحدا يستحقّ الدّعم مهما كان اختصاصه من الآداب والفنون ما دام العمل يجري وفق القانون وفي وضح الشّفافيّة . ولكنّي لا أقبل أيّ شبهة من سوء التصرّف بما في ذلك المحاباة والرّشوة والإهدار، وأدعو بصوت صارخ صادق إلى المراقبة والمحاسبة. ذلك لأنّ دار لقمان هي أيضا وكر للّوبيّات والسماسرة الّذين يتاجرون بالثّقافة على حساب الإبداع ويخاصمون لنيل ما يطلبون. وفرصتهم المهرجانات سواء الصيّفيّة أو المخصّصة للسينما والمسرح، وموردهم الذي لا ينضب صندوق التّشجيع على الإبداع. ويأتي الكتاب في المقام الأخير بعد إتيان الفنون على النّصيب الوفير.
والخاسرون في مجتمع لا يقرأ الكتب بل ينقر على الهواتف هم المؤلّفون والنّاشرون، وجميعهم لدى المطابع مرهونون. يعوّلون على شراءات الوزارة فتعدهم ثمّ تفاجئهم بنصف الوعد، ولا يبقى كحلّ غير تقاسم الكلفة بين الكاتب والنّاشر ما لم يرث أحدهما عقارا للبيع. ومن قبل باع الهادي نعمان الزياتين الّتي خلّفها له أبوه ليطبع ديوانه. وشخصيّا تورّطت في كتاب على حسابي حتّى اضطررت إلى التخلّص من أكداسه بالإهداء . وكتابي المقبول للنّشر عن طريق مركز الاتّصال الثّقافي صار تاسع أهل الكهف منذ سنين. ومركز الانفصال لا حياة فيه لمن تنادي ولا مجيب من مديره وأعوانه مهما طال الرنين. وليس استثناء بين مصالح الوزارة وأيّة إدارة، ولا خدمة أكثر من : “أهلا وسهلا، ومع السّلامة ” ترحيبا وتوديعا دون قضاء أمر، مع رجاء عدم العودة تلافيا للإحراج والإزعاج. لكأنّه لا أحد يرغب في ديمومة سلسلة “ذاكرة وإبداع” الّتي أثرت المكتبة التّونسيّة بعديد العناوين القيّمة الرّخيصة بشعار “ثقافة للجميع”.
وليس اللّوم على المركز في حدّ ذاته ، إنّما اللّوم على مرجع النّظر إذا هو عن جهل بذوي الكفاءة أو تقصير مستشاريه أو غير ذلك يعيّن من يعيّن في إدارة هذا المركز وأمثاله على أساس “المرأة أو الرّجل غير المناسب في المكان المناسب” ! وهكذا تتقدّم بلاد الثّلاثة آلاف سنة حضارة !
للأسف، لم يجد الكتاب حتّى الآن، مع تعاقب الوزراء والوزيرات، من يقدّره فيدعمه حتّى لا يكون هو المهمّش في معرض وطنيّ أو دوليّ باسمه أمام الأنشطة الموازية المستفحلة على حساب النّاشرين، وكثير منهم لا يجمع من البيع ما يغطّي تكاليف المشاركة بدءا بمعلوم كراء المتر المربّع ما دامت الأولويّة للكتاب الأجنبيّ ثمّ لقصص الأطفال، زيادة على مكان وزمان غير مناسبين، فقصر المعارض بالكرم بعيد، وفي أواخر أفريل قد حُصّل ما في الصدور. وإنّما تقتني المراجع في أوائل السنّة المدرسيّة الجامعيّة.
والحقّ أنّ ميزانيّة الوزارة لا تكفي لشؤونها من تصرّف وتجهيز وفضاءات وإصلاح ونشر ومكتبات ومتاحف وصيانة تراث وتشجيع إبداع وترويج إنتاج في سبعة فنون. والبيروقراطيّة ثامنة الفنون وأعظم الشّؤون. قد تكون العين بصيرة واليد قصيرة ، هذا لا يعرفه منتقدوها من الإعلاميين والفنّانين والكتّاب وأولئك النوّاب.