
(من خفايا الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي)
الحقيقة أني ما كنت لأكتب في هذا الموضوع لولا “الأضرار الجانبية” التي تسبب فيها مقالي الأخير “حمار جحا” والذي خصصته بالأساس لانتقاد (وليس نقد) سياسة الكيل بمكيالين ماديا ومعنويا التي انتهجتها الزمرة المشرفة على إدارة الدورة الحالية لمهرجان قرطاج الدولي حيال الفنانين التونسيين دون سواهم.
فقد أوّلته الألسن الخبيثة التي تعوّدت على السباحة في الماء العكر إلى نقيض مقاصده وجعلته قدْحا في من يستحق الثناء وبالتحديد الفنانة أمينة الصرارفي وزيرة الشؤون الثقافية التي أعادت للقيم التونسية بمختلف اتجاهاتها وتنوّع مشاربها اعتبارا مُستَحقّا غيّبته سنوات الجمر ودعمه سواد العُجّز والحاقدين.
لا أقول هذا تملّقا أو زُلفى مثلما يفعل موظفو الإدارة المتقلّبون كالحرباء مع كل وزير شعارهم “الله يُنصر مِن صِبَحْ” اللاهثون وراء المصالح الظرفية والامتيازات الشخصية ولكن إحقاقا للحق ومن باب “أعطوا قيصر ما لقيصر”. وكما قال أبو القاسم الشابي (حسبي إذا قلت شعرا أن يرتضيه ضميري).
صحيح أن الوزيرة بحكم تخصصها أعطت الموسيقى اهتماما أكثر من القطاعات الأخرى ولكن التراكمات السلبية التي كبّلت العمل الثقافي طيلة السنوات الأخيرة لا يمكن تجاوزها بضربة عصا سحرية.
والسبب ؟ وزراء سابقون ما كانوا ليصبحوا وزراء دفعتهم الصدفة وتجاذب الأحزاب والجهويات إلى سدة السلطة كانوا يسعون إلى تسلق السلم السياسي أولا وأخيرا.
إن المقال موضوع الحال يتهم بصريح العبارة البيروقراطية المتعنّتة التي أذاقتنا الأمرّين في إنتاج عرضنا الأخير ‘”من قاع الخابية” وأجبرتنا على تقليص تصوّراتنا الأولية وحذف فقرات فرجوية غابت عن الذاكرة الجماعية وفي طريقها إلى الاندثار السريع.
فالزُمرة المشرفة على تسيير المهرجان والتي لا علاقة لها بالعمل الثقافي لا تفرّق بين الإنتاج المبتكر والعمل المُكرر وتظن أن (المدوّر الكلّه كعك) لذلك لم تعجبها انتقاداتي الصريحة لتدخّلها في ما لا تفهمه ولسياسة الكيل بمكيالين التي انتهجتها إزاءنا.

النتيجة أنها “عاقَبتنا” بتعطيل الإجراءات المالية ولم توفنا مستحقاتنا وبعد لأي سوى يوم 15 أوت 2025 أي بعد قرابة الشهر من تقديم العرض في حين أن كل الذين قدموا عروضهم بعدنا تقاضوا مستحقاتهم في الإبان.
هذا غيض من فيض، وحكاية شهرزاد لم تنته بعد.