
انظروا إلى أين وصلنا بديننا الذي ليس في الأديان أبسط منه ولا أيسر ولا أقرب إلى الفطرة والعقل. وما أكثر مشائخ هذا الزمان على عدد الفضائيّات ببرامج الأسئلة والأجوبة والفتاوى في السفاسف والقشور بغاية المال والإشهار !
سألتْ واحدة على المباشر سيّدها شيخ اللحية والعمامة وطابع الجبهة: “رأيتُ في المنام أنّي أتوظّأ بماء زمزم، فهل أصلّي الفجر به أم أجدّد وضوئي بماء الصوناد؟” فأجاب بمنتهى الثقة في علمه بدينه: “ذلك يجوز للأنبياء، ولا نبيّ بعد الرسول (ص) إلاّ أن تكوني نبيّة”. قالها مبتسما من فضل سماحته.
وفي جلسة الإمام بين الظهر والعصر سأله واحد: “ما الأفضل؟ أن أصلّي بالسبل أم بالضمّ” فردّ: ” صلّ كما تشاء نظرا لاختلاف العلماء في وضع اليدين”. ولو حضرتُ لسألته: “هل كان محمّد (ص) إذا نام يجعل الزوجة في ليلتها من بين أزواجه على يمينه أم على شماله؟” ولعلّه قد أجابني عن أبي هريرة أنّه فعل مع عائشة مرّة هكذا ومرّة هكذا.
لا تنسوا، وما بالعهد من قدم، أنّنا ودار الإفتاء معطّلة استقبلنا بحفاوة “أقبل البدر علينا” داعية إلى ختان البنات والتداوي ببول البعير دون بعره. ومنّا من رفع علنيّا راية الجهاد لفتح البلاد من جديد. ومن أواخر الأيمّة المجازين عن مشائخ المجالس من غير كلّية أو جامعة زيتونيّة أو أزهريّة من كفّرنا بسبب لباسنا العصري داعيا إلى لباس التقوى من جلباب للرجال وخمار ونقاب للنساء وللبنات منذ الفطام. وغيره وبّخنا على تخاذلنا وتوعّدنا بالجحيم لأنّنا لم نسافر بسلاح الجهاد إلى سوريا للإطاحة ببشّار. هؤلاء أفتوا فيما بينهم بإسقاط الفرض عن أنفسهم مكتفين بالانتقاد والتحريض، ووجدوا الدعم من جهات نفطيّة لدراسة أبنائهم في الخارج في مأمن من الفوضى التي يثيرونها.
واللّوم ليس عليهم، بل على الذين يثقون فيهم ويتّبعونهم فيما يأمرون به وينهون عنه. ولو كان لهؤلاء الأغبياء بعض من العلم والعقل لانفضّوا من مجالس النفاق وانصرفوا عن برامج الكذب إلى نفائس الكتب.
تلك هي مراجع الأجانب الأعلم بديننا أكثر منّا سواء أخلصوا النيّة حتّى أسلم بعضهم أو أساؤوا وأضمروا التشكيك خدمة للمسيحيّة والاستعمار. وواجبنا يقتضي لا التولّي عن أعمالهم رفضا وإنكارا واحتقارا لها بالجملة وإنّما الاستفادة منها في ضوء النقد تصحيحا وتعديلا لها بالتفصيل.
وفي كتبنا وكتبهم الغثّ والسمين وكثير ممّا لا يقبله المنطق ولا يواكب التطوّر ولا يناسب العصر. كلّها ينبغي أن تحصحص بغربال من نوع السقّاط الواسع الثقب. ولا خوف على الإيمان من المنهج العلمي، وإنّما به يتقوّى ويحيا ويدوم.
وهذه مناسبة للتنويه بغالب بن الشيخ مدير المعهد الإسلامي بفرنسا، إن صحّت ترجمة التسمية من دون شبهة، فإنّه بدكتوراه الفيزياء عرف إسهام المسلمين في العلوم فانطلق مستكشفا الإسلام ودافعا عنه الجهالات بعديد الكتب والمحاضرات والحوارات. وللّذين لا يعرفونه فهو فرنسيّ الجنسيّة جزائريّ الأصل، متمكّن من اللغة الفرنسيّة في بلاغتها بأكثر من أبناء فولتير، ومطّلع على الإسلاميّات في دقائقها بأعمق وأشمل من أيمّة المذاهب ومشائخ هذا الزمان. زاده الله قوّة ونجاحا في سبيل رسالة الإسلام والسلام.