بقلم عبد الجليل المسعودي
من الأفكار المنتشرة السائدة، والتي ترقى عند الكثيرين منّا إلى مستوى المعتقد، أن الخليج العربي هي أقرب الأقاليم العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذه القربيّة تكسبها مناعة طبيعية وتضعها في مأمن من كل التهديدات الخارجية.
ويعود أصل هذا الإعتقاد إلى مستوى العلاقات وكميّة المصالح التي تربط الطرفين والتي يعود تاريخها إلى “اتفاق كوينسي” في فيفري 1945 إبّان الحرب العالمية الثانية، بين الرئيس روزفالت والملك عبد العزيز آل سعود والتي التزمت بموجبها الولايات المتحدة بتوفير الحماية العسكرية للملكة الناشئة ومركز الثقل في الخليج، مقابل ضمان إمدادات النفط لأمريكيا.
ولقد تواصلت تلك العلاقات وتوسّعت، وتعمّق التقارب على خلفيّة أحداث عالمية وجهويّة كبرى منها قيام الثورة الإسلامية في إيران، وتأسيس مجلس دول الخليج العربي، وانفجار الإمبراطورية السوفياتية، ونشوب حربي الخليج الأولى والثانية، وصعود القوّة الصينية…، وكلها أحداث وتطورات عززت العلاقات وكرّست التفاهم والتقارب الخليجي-الامريكي في شكل تدفق هائل لا يتوقف لرؤوس الأموال وشرءات الأسلحة وإنشاء القواعد العسكرية ومنها، وأهمها، قاعدة العُديد بدولة قطر التي أنشئت سنة 1996 في خضمّ حرب الخليج.
لم يكن أحد يتصوّر، وصُور بهرج الإستقبال الذي خصّ به هذا البلد الرئيس الأمريكي في منتصف شهر ماي الماضي ما تزال عالقة بالأذهان، وجنون أرقام مبالغ الاتفاقيات التي رافقته لم يجف حبر توقيعها بعدُ، قلنا لم يكن أحد يتصوّر أن تتجرأ دولة أو كيان على مهاجمة قطر واستباحة أجواءه، فضلا عن ارتكاب جرائم حرب على أراضيه.
ومع ذلك فعلت اسرائيل ذلك.
وطبعا، ما فعلته اسرائيل لا يمكن ان يكون قد تمّ دون علم وموافقة الإدارة الأمريكية، أي الرئيس ترامب شخصيا، حتى وإن تعلل وتأسّف وغضب، لأن الأمر لا يتعلق هنا بأي دولة، بل بدولة قطر، أحد أهم حلفاء أمريكيا وأحد الأوزان الثقيلة ضمن أهم تكتل اقتصادي وجيواستراتيجي.
وإذن؟
إذن، الدرس واضح وجاء كصفعة مدوّية على خدّ كل من كان يعتقد أن لأمريكيا حلفاء آخرين في المنطقة غير إسرائيل. “إسرائيل فوق الجميع” في أعين أمريكيا. وهي مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل إرضاء اسرائيل، ولفعل أي شيء من أجل تحقيق أهداف اسرائيل التوسعيّة العدوانية بما فيها شلّ قدرة حلفائها على الدفاع عن النفس بتعطيل أنشطة الدفاعات الجوية التي باعتها إياهم بمليارات الدولارات.
وإذن؟
إذن، أي فائدة من تكرار قول إن السكوت عن جرائم اسرائيل ومباركتها ينتهك القانون الدولي، ويقوّض الديبلوماسية، ويهدد السلم في العالم…وربما يضرّ بمصالح أمريكيا نفسها في آخر المطاف؟ كل ذلك لم يعد يفيد بشيء بعد ان اتّضح أن اسرائيل هي التي تسيطر على امركيا وهي قادرة ان تلتفّ على سياساتها وخياراتها الاستراتيجية في أي لحظة.
هل انتهى الدرس؟
ملاحظة بسيطة قبل الإجابة : الإمارات العربية والبحرين دولاتان عضويان في مجلس الخليج العربي ومطبّعان مع دولة إسرائيل. زعيما الدولتين سارعا بإعلان تضامنها القوي مع دولة قطر بعد الاعتداء الاسرائيلي. لكنهما وقفا عند حدّ التعبير ولم يتخذا أي قرار آخر فعلي، مثل إيقاف التعاون العسكري أو الاقتصادي، ولم يستدعيا سفيريهما للتشاور كما تفعل كل الدول في مثل هذه الظروف…
إذن،الدرس لم ينته.