إشارات أحمد الحمروني: مراتب وفضائل

أفضل العرب قريش، وأفضلها بنو هاشم لأجل خاتم الأنبياء محمّد (ص)،  وهو أقربهم إلى الله، نزّل عليه القرآن وعرج به إلى سدرة المنتهى عند البيت المعمور وكاد يرى الذات العليّة لولا أن غشاه النور. يليه إبراهيم خليل الله في السماء السابعة، ودونه موسى كليم الله في السادسة، وأقلّ منهم آدم في الأولى. والمبارك من الأعداد السبعة بعدد السماوات والأيّام وأهل الكهف وأشواط السعي والطواف، والخمسة قواعد الإسلام، والثلاثة لتأكيد المعنى بتكرار اللفظ، وواحد للتوحيد، وتسعة عشر إعجاز عدديّ في القرآن بشهادة الحاسوب.  والجنّة والنّار درجات على قدر التقوى والإثم. والأعلى أفضل من الأسفل. واليمين أولى من الشِّمال. والرأس مقدّم على الذنب كتقديم الصدر على الظهر والقُبل على الدبر. وخير الأمكنة والجهات لدى مختلف الشعوب المشرق قبل المغرب، وشتّان ما بين أرض الأنبياء وأرض الأولياء ! وقبلة المسلمين كعبة مكّة، ومن بعدها المدينة ثمّ القدس. وكان الفضل للصخرة بالمسجد الأقصى قبل تحويل القبلة. وأكرم الأحجار الحجر الأسود الذي نزل من السماء أو من الجنّة فاسودّ من آثام البشر بعد أن كان أبيض، لأنّ البياض أحسن من السواد بصفته عنوان الطهارة ولباس الملائكة والحجّاج والكفن وزيّ الأندلسيّين في الجنائز، وهو الأقرب إلى النور، والله نور السماوات والأرض. والقمر بنوره عندما يكون بدرا أجمل منه عندما يصير هلالا. وأحبّ الجبال إلى محمّد أُحُد لحديثه: ” أُحُد جبل يحبّنا ونحبّه”. وأقدس الأنهار النيل من عهد قديم لأجل موسى. وماء زمزم أعذب وأنفع من الفرات. والسكن بجوار جامع أو زاوية أفضل من قصر مشيد بحيّ جديد. ودارنا القديمة في أحسن موقع بتلك البلدة الطيّبة، محميّة ومباركة بزاوية سيدي نصر القرواشي من جانب وزاوية سيدي أحمد بوغرارة من الجانب الآخر. ذلك لأنّ الأمكنة متدرّجة في القداسة وموازية لسلّم القيم.

وخير الأزمان عهد محمّد، وخير الأعوام عام فتح مكّة. وخير الغزوات بدر. وخير الأشهر رمضان الذي فيه أُنزل القرآن خير كتاب إذ نقسم بالمصحف وكتاب الشّفا وصحيح البخاري على الترتيب. ويليه في الرتبة شعبان بليلة النصف وشوّال بصوم ستّة. وخير الأيّام الاثنين بمولده (ص) ووفاته. وفضل الجمعة بالصلاة والخطبة، والبركة بالخميس. وأفضل الليالي ليلة القدر المتحرّاة في السابع والعشرين من الشهر الفضيل، فهي خير من ألف شهر.  وأحسن الأوقات الفجر حتّى الصبح بإشارة السور والقسم، وفضل التبكير إذا اقترن بالصلاة والتهجّد والدعاء. وخير صلاة الصلاة الوسطى المحروس عليها، وكلّ صلاة من الخمس بين سابقتين ولاحقتين هي وسطى. وكلام الله ليس كلّه على حدّ سواء، ففضل سورة العلق لأنّها أوّل الوحي، وفضل سورة الإخلاص لأنّها لفظ التوحيد، وسورة المسد أقلّ السور شأنا حتّى احتقرها مؤدّب إذ ضرط في تلاوتها فصار جوابه مثلا: “بصّة (أو فسوة) في تبّت يدا…” نكالة في أبي لهب وامرأته. والآيات مختلفات في القيمة، أهمّها آيات الكرسي، الآية 255 من سورة البقرة، تليها الآيات المفتتحة لسورة المُلك، والتي يحبّها القرّاء في المآتم  ويتندّرون بذكرها : “تبارك… كسكسي ولحم يتعايط (أي يتصارخان) أو يتعارك في رواية أخرى”.  ثمّ تأتي سورة الأعلى. وأحسن القصص سورة يوسف (عس) ثمّ قصّة مريم. وأكثر القرآن قصص أنبياء. وحيث ذكر لفظ شفاء فالآية دواء خاصّة إذا اقترن ذكر الشفاء بذكر العسل. وحيث ذكر دعاء فالآيات مستغلّة في الصلاة يتّخذها الخطباء مسك الختام. وخير موادّ الزينة السواك والكحل والحنّاء، على سنّة الرسول بعود الأرك أو عرق السوس. وخير الشراب شرابه، وخير الطعام طعامه، والعصيدة في مولده. وخير الأسماء أسماؤه التي من صفاته وأخلاقه. تليها أسماء الأنبياء، وبصفة عامّة ما حُمّد وعُبّد، من أحمد ومحمّد إلى عبد الله وعبد الجليل.

والناس أيضا درجات حسب الجاه والشرف والخُلق والعلم والمال.  فأهل التصوّف رجالا ونساء مراتب كالعلماء والفقهاء وأيمّة المذاهب. وللعرب كتب في طبقات الشعراء والأدباء والأطبّاء، وفي سير الملوك تبعا للأنبياء أسوة بالمصطفى عليه السلام. والوظائف العموميّة مراتب منعكسة على الجرايات. والقائمون على بيوت الله كذلك، فإمام الجمعة أرقى وأنفذ من إمام الخمس، وهذا الإمام أولى من المؤذّن، وهذا يشير بأمره على المنظّف. يقابل ذلك تراتب الرئيس والوزير والوالي والمعتمد والعمدة. ولا ننسى رئيس الحكومة ورئيس مجلس النوّاب ورؤساء مجالس أخرى وهيئات مختلفة. وكذلك التراتب القضائي والتعليمي والعسكري، والدنيا كلّها كذلك. وبالتالي فتصريح ترامب أقوى من سلطة محمود عبّاس، ووعيد الحوثي ليس كتحذير السيسي، والفيتو أقوى من مجلس الأمن. ولْترسلْ جامعة الدول العبريّة – عفوًا العربيّة – البيان تلو البيان مستنكرة بأشدّ العبارات ما يحدث في غزّة والضفّة من تدمير شامل وإبادة جماعيّة بالسلاح المدعوم من العمّ سام وبالتجويع ومصائد المساعدات المُهينة. وإذا حكم الأرض مجنون آل بها إلى الفناء، فمن أين هذه الزلازل والفيضانات إن لم تكن البيئة قد أصيبت؟ وقيام الولايات المتّحدة على حساب الهنود الحمر كفعالها في اليابان. والتاريخ يتكرّر بصلف الصهاينة على أرض فلسطين، والبرنامج شامل للأجوار. ويقولون: “إسرائيل الكبرى هي الأرض الموعودة، من النهر إلى النهر”. هم يخطّطون والعرب في سبات خائفون، وأكثرهم في الجريمة مشاركون. نبّههم من قبلُ صدّام والقذّافي فكانوا منهما يضحكون ويسخرون وعليهما يتواطؤون ولهما يكيدون. فالدائرة اليوم وغدا دائرة عليهم واحدًا واحدًا.

ألا تكفي الأندلس للتباكي، وبغداد للتّحسّر، ودمشق للتأسّف، وفي المخطّط القديم المتجدّد القدس الشريف ومكّة المكرّمة؟ بعدهما تسقط المراتب وتزول الفضائل. وحسبي بلدي حفظه الله من أعدائه وأبنائه.