(من كواليس الحياة اليومية)
قد تكون الهيئات المعنية بالبيئة أحدثت إدارة فرعية للعناية بالبيئة السمعية environnement sonore ومكافحة التلوث السمعي pollution sonore الذي تسببه مصادر مختلفة باعتباره أحد العناصر الهامة لتلويث البيئة والذي لا يقل قيمة عن الملوّثات الأخرى.
وقد تكون قامت بإحصائيات بالتوازي مع وزارة الصحة لتحديد مدى تأثير هذا النوع من التلوث على صحة المواطن وعلى جودة عيشه وعلى سير الأنظمة البيئية écosystèmes وأيضا كم يكلف الخزينة العمومية من خسائر مالية وبشرية.
وقد لا يصدق أحد أن هذا التلوث يسبب للمجموعة الوطنية خسارة مادية لمعالجة مواطنين أرهقهم الصخب bruit وخسارة بدنية لآخرين أفقدهم التحكم في أعصابهم فمرضوا أو ردوا الفعل على المصدر حتى درجة القتل.
فالصخب هو السبب الأول في تشكي السكان وأحد الأسباب الرئيسة للنزاعات بين العمال في أماكن العمل الصاخبة أو بين الجيران فيما بينهم أو بين الجماعات والمستعملين للصوت.
إن جزءا كبيرا من سكان المدن في جميع بلاد العالم عرضة للمضرات السمعية وخاصة منهم المتاخمون للطرق السيارة والسكك الحديدية والمطارات والموانئ والمصانع ومحلات الموسيقى والمقاهي والمطاعم وعموما كل الفضاءات التي يتواصل فيها النشاط العام بأنواعه حتى ساعة متأخرة من الليل.
يضاف إلى ذلك المصادر المتصلة بوسائل العيش الجديدة التي أحدثتها التكنولوجيا المعاصرة مثل الهاتف الجوال واستعماله المفرط في القاعات العامة والجامعات وفضاءات العرض الفني وحتى المصالح الإدارية العامة أو المسجل الجوّال baladeur المستعمل في الطريق العام وفي وسائل النقل العام أو الأصوات الصارخة لغناء يصدر من راديو سيارات يستعرض أصحابها قلة ذوقهم.
ونذكر أن الكونغرس الأمريكي منع في مطلع عام 1976 مرور طائرات الكونكورد في سماء الولايات المتحدة الأمريكية أو النزول في مطاراتها منذ انطلاق رحلاتها التجارية الأولى بسبب إساءتها للبيئة وخاصة أضرارها السمعية nuisances sonores.
فسرعتها الخارقة للصوت كانت تلقي معارضة شديدة من المواطنين الذين قاموا بمظاهرات عديدة احتجاجا على ما سموه الانفجار الفائق للصوت boom supersonique. وحتى لما رُفع هذا الحضر مَنعت مدينة نيويورك مطاراتها من استقبال رحلات الطائرة لنفس الأسباب البيئية معتمدة في ذلك على معطيات علمية صحيحة.
والمجتمعات النامية لا تعرف من معنى للضجيج سوى ما يحدثه السكارى والمتطاولون على القانون العام من شغب ليلي tapage nocturne ممنوع في أوقات محدودة بموجب قانون بلدي قديم أو أصوات منبهات السيارات وإشارات الخطر المدوية التي لا يسمح باستعمالها في المدن والتجمعات السكنية إلا في الحالات القصوى، وهي مصادر للضجيج اعتدنا عليها في بلادنا حتى صارت وكأنها عادية أو كأن للمواطن حق تداولها بالعُرف والعادة إلى درجة إزعاج الآخرين.
زيادة على هذا فإن البلديات كثيرا ما تغض الطرف عن هذه التجاوزات خصوصا حين تمنح رخص المقاهي والمطاعم ومحلات بيع الوسائط السمعية وسط العمارات السكنية فتسبب على مدى غير بعيد كوارث بيئية لم تنتبه إليها الهيئات المعنية بعدُ.
إن مفهوم التلوث السمعي يشمل عموما المضرات السمعية التي تسببها مصادر متنوعة والتي تتراوح تبعاتها من قلق عابر إلى انعكاسات خطيرة على الصحة. فتنوع طول الموجات longueur d’ondes من ما فوق الصوتيultrason إلى ما تحت الصوتيinfrason يمكن أن يكون مصدرا للقلق أو لانعكاسات مَرَضية بحسب قوة هذه الموجات ومدة تعرض الشخص لسماعها وكذلك مدى حساسيته السمعية.
ويعرّف الأطباء المختصون أن العوامل المسيئة كثيرة ومتنوعة تتمثل خاصة في افتقار البنايات السكنية إلى العزل الصوتي isolation phonique وإلى الحيطان المضادة للضجيج وفي استعمال مواد عاكسة للصوت يمكن أن تعرّض محلات أو مناطق للصخب هي في العادة بعيدة عنه.
أما انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على الصحة فهي متنوعة أيضا ومتفاوتة الخطورة أهمها: سرعة التهيّج والأرق والانهيار العصبي والمشاكل السمعية التي يمكن أن تبلغ حد الصمم العابر أو النهائي.
(يتبع)