
نظرا لما تتعرض له كتاباتنا عن الكيان الصهيوني من قنص إلكتروني كي لا تبلغ مبتغاها نسمي كيان العدوّ من هنا فصاعدا “عزرائيل” أو “هادم اللذات ومفرّق الجماعات” عسى نُفلت من قبضة المتربّصين، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
سبحان الذي لا يسهو ولا ينام، أما ذاكرة الإنسان فهي ضعيفة وخصوصا ذاكرتنا العربية. إذ سرعان ما ننسى أن من يتولى أمر الجمهورية العربية السورية العلمانية اليوم هو ذاته الذي كان بالأمس القريب يحاربها بتنظيم مسلّح من فصائل بجنسيات مختلفة تتبع الفكر الجهادي الإسلامي وتسعى إلى إرساء دولة الخلافة تحت غطاء الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
هو محمد الجولاني الذي وضعه الأمريكان على قائمة الإرهابيين الدوليين في مايو 2013 وأعلنوا بعد أربع سنوات عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يُرشد إليه حيا أو ميتا. ثم تحوّل أخيرا بضربة عصا سحرية إلى رئيس للجمهورية السورية واسمه أحمد الشرع منذ مايو 2025 بعد سقوط مفاجئ لنظام البعث العلماني بمباركة أمريكية (؟).
هؤلاء الذين كانوا يلاحقونه، والله أعلم بالسرائر، فرشوا له السجاد الأحمر في العواصم الغربية والعربية واستقبلوه بحفاوة مشبوهة جدا حتى كاد المريب أن يقول خذوني. ولا غرابة إذا تبيّن بعد سنوات أنه من سلالة الجاسوس إيلي كوهين الذي تخفى تحت اسم “كامل أمين ثابت” ولما اكتشف أمره أعدم شنقا بدمشق في ساحة المرجة عام 1965.

المغني اللبناني فضل شاكر هو أيضا ثاب إلى ربّه في زمن ما ونزع كسوة الغناء ليرتدي بزّة الجهاد مع داعش ويتقمّط بحزام الخراطيش حاملا على ظهره رشاش الكلاشينكوف، وما أقرب هذا إلى الغناء والفن.

كان هو الآخر مطلوبا للسلطات اللبنانية وظل محتفيا لمدة ثلاثة عشر عاما في مخيم عين الحلوة الفلسطيني. وقد أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية في 16 ديسمبر 2020 بشأنه حكمًا غيابيًا بالسجن 22 عامًا مع الأشغال الشاقة، موزعة على تهم “تشكيل عصابة مسلحة، والقيام بأعمال إرهابية، وتمويل جماعة إرهابية مسلحة”. كما تضمّن الحكم تجريده من حقوقه المدنية، وتغريمه خمسة ملايين ليرة لبنانية.
عاد الاثنان إلى “الحظيرة” من بابها السري بعد أن أسلما رقبتيهما لصاحب الأمر وثابا إلى ربهما، ومن يدري هل هو رب الجهاد السلفي أم رب الديمقراطية العلمانية ؟ والأرجح أنه شعب الله المختار الذي رتّب الأوضاع كما اشتهى، ولعله من قصده القباني بقوله: “ورجعتُ / ما أحلى الرجوع إليه”.
نهاية الحكاية هي عفا الله عمّا سلف و”صافي يا لبن” و”نرجعوا وين كنّا” وفي الأخير “بوس خوك يرحم بوك” وكأن شيئا لم يكن “وبراءة الأطفال في عينيه”.
لن نعجب إذن لو رأيناه يحلّ بين ظهرانينا قريبا ويأكل من زادنا فإخوانه الصراصير تحت المصطبة سيقولون كالعادة: إن الله توّاب رحيم و”ساﭪ نجعك ساﭪ”.
ولكن،
مُخطئ من ظن يوما / أن للثعلب دينا
