عندما اخترع الكيميائي ألفريد نوبل (1833-1896) متفجر الديناميت لغايات مدنية سلمية كان يعتقد بسذاجة أنه سيسهم في وضع جد للحروب بين الأمم. لكن ظنه خاب لمّا تأكد في أواخر حياته أن اختراعه لم يجلب للإنسانية السعادة والحب الذي كان يتوقّعه لها بل مزيدا من الخراب والدمار.
لذلك أوصى بجزء كبير من ثروته لمنح جوائز سنويّا للأفراد “الذين قدموا أعظم فائدة للبشرية” من خلال اختراعاتهم واكتشافاتهم وتحسيناتهم في مختلف مجالات المعرفة، أو من خلال العمل الأدبي الأكثر إثارة للإعجاب، أو من خلال عملهم في دعم السلام.
وكما قال الكيميائي Lavoisier (1743-1794) “لاشيء يضيع، كل شيء يتحوّل” فإن الحياة مبنية على التغيّر ولا شيء يستطيع أن يوقف التقدّم ولكن في الطريق الصحيح. ويضيف المناضل الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينغ (1929-1968) “إذا كنت على الطريق الخطأ، فإن التقدم يعني الاستدارة والعودة إلى الطريق الصحيح”.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي ابتكار تكنولوجي جديد سيحدث أو ربما أحدث بعدُ ثورة في مختلف مجالات الحياة البشرية لكنه يمثّل في الوقت نفسه وقبل كل شيء معضلة أخلاقية من حيث أهدافه العملية وأوجُه استعماله.
فقد صرّح موسيقي مصري منذ مدة أنه سيلحّن بواسطة الذكاء الاصطناعي أغانٍ جديدة بصوت المطربة أم كلثوم وأيضا بأصوات مشاهير آخرين توفّوا منذ سنوات. هذا النبأ الخرافي وإن ضحك من سُخفه الكثيرون واعتبره آخرون ضربا من الجنون فهو يدقّ ناقوس الخطر المُحدّق بالإنسانية في جميع المجالات منبّها إياها أن التكنولوجيا يمكن تنتج سيفا ذا حدّين: حقيقةً وزيفًا في آن واحد.
ووفقًا لدراسة أجرتها شركة Deezer بالاشتراك مع معهد Ipsos للدراسات على 9000 شخص في ثماني دول ثبت أن الموسيقى التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لا يمكن للأذن البشرية اكتشافها. ذلك أن 97% من المستمعين لا يستطيعون التمييز بين الموسيقى التي ينتجها الإنسان وتلك التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، وبالتالي يمكن للذكاء الاصطناعي “توليد” فنانين مزيّفين لا وجود لهم في الواقع بصورة وصوت مركبين.
و”ديزر” هو تطبيق بث موسيقى يتيح الوصول إلى 120 مليون أغنية حول العالم، بالإضافة إلى محتوى صوتي آخر، بما في ذلك “بودكاست” podcast ويعني محتوى صوتيا أو مرئيا يتم بثه على الويب ويمكن الوصول إليه عند الطلب بواسطة أجهزة مختلفة مثل الهاتف الذكي والكمبيوتر والاستماع إليه في المنزل أو المكتب أو أثناء السفر.
أحدث الذكاء الاصطناعي تحولا جذريا في عالم الموسيقى، من التأليف إلى الإنتاج والعزف المباشر. ويُستخدم كأداة إبداعية لمساعدة الموسيقيين وإنتاج ألحان وتناغمات وكلمات جديدة، بل وحتى ابتكار موسيقى جديدة كليّا. لكن هذه التقنية تُثير تساؤلات هامة حول الإبداع البشري وحقوق التأليف والنشر، مع تزايد عدد المقطوعات الموسيقية المُولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي وصعوبة تمييزها عن الإبداعات البشرية.
والتساؤل المطروح هذه الأيام: هل أن الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة حقيقية في صناعة الموسيقى ويستبدل الفنان المبدع بتوليفات وتراكيب إلكترونية مخزّنة تحت الطلب ؟
(يتبع)