
الموسيقار د. محمد الڤَرفي
سمعت أحدهم يهذي على أمواج إحدى الإذاعات المحلية: “على مدرّسي الموسيقى الشرقية وأساتذة النظريات الغربية أن يُغلقوا حوانيتهم، فبفضل الذكاء الاصطناعي لم نعد بحاجة إلى أقسام التأليف وتقنيات الكتابة الموسيقية classes des écritures”.
وأضاف هذا الدكتور الذي يرتزق من الموسيقى والتعليم: “ولنا في تراثنا المحلي ما يغنينا عن هذا النوع من التعليم الذي تجاوزته الأحداث وعلينا أن نعرف كيف نستخدمه بفضل الذكاء الاصطناعي. وأدعو وزارة الثقافة أن تنفق على مثل هذه الموسيقى عوض أن تخصص المليارات لموسيقى لا طائل من ورائها”.
وظل يكرر AI (artificial intelligence) ليُظهر لمُحاوره وللمستمعين أنه in وأنه أمسك بمربط الفرس.للفت نظره ونظر أمثاله من مستعملي الذكاء الاصطناعي وما ابتُكر قبله وما سيأتي بعده من برمجيات رقمية logiciels تساعدهم في وضع الموسيقى بسرعة واكسائها حلّة “مزركشة” أن مصادرها معروفة شكلا ومضمونا ومزايا الخِدمات التي تقدّمها لأنصاف المتعلّمين والهواة لا تخفى على العارفين، وهي تُحيلنا مباشرة إلى برمجيات الصورة التي تتيح لمستخدميها تحوير محتواها والتلاعب بمعطياته الأصلية.
والحقيقة أن كل هذه البراعات هي تركيبات خوارزمية logarithmes متنوعة ومتكررة في مخزون الذاكرة الرقمية من نماذج وأساليب تُولِّد تفاعلاتها مئات الملايين من صيغ إلكترونية يصعب إحصاءها.
لقد ابتكر مهندسو الرقمية بالتعاون مع موسيقيين مقتدرين وبِنيّة تجارية أكيدة أنواعا عدة من البرمجيات الخِدمية ذات الصلة تتيح كتابة الموسيقى بسهولة وإعدادها والاستماع إليها.
لم يكن ذلك في البداية لغاية تعويض العقل البشري بالالكترونيات بل لتسهيل الانجاز واختصار الوقت لكنه سرعان ما تحوّل إلى توضيب العقل وتكييفه في سياق ديمقراطية وهمية “تعطي الحق للجميع في ممارسة العملية الفنية بمن فيهم فاقدي الموهبة الإبداعية”.
ويرى بعض الموسيقيين في هذا السياق أن الآلة الرقمية ليست سوى مجرّد أداة، أما الموسيقى الحقيقية فتسكن داخل الموسيقي العارف وليس داخل البرمجية.
وأذكر أن سيّد مكّاوي لمّا سًئل لماذا استعمل القيثارة في أغنية “يا مسهّرني” وهو ملحن شرقي تقليدي: “الآلة الموسيقية هي مثل القلم يكتب بكل اللغات دون استثناء”.
تعج المكتبات الرقمية بالبرمجيات الموسيقية بدءا من الأبجديات للمبتدئين وصولا إلى تقنيات التأليف ومهارات الكتابة الأوركسترالية المتقدّمة بكل الأساليب المعروفة، وهو ما نُعبّر عنه ببساطة “طعام لكل فم”.

من برمجيات الذكاء الاصطناعي
من ذلك مثلا البرمجية الأمريكية الخاصة بتأليف الموسيقى السينمائية Cinematic music Accelerator التي يستعملها خِفيةً كثير من الملحنين إلى جانب غيرها من البرمجيات لكتابة وتأليف الموسيقى بمساعدة الحاسوب (MAO) تتيح تأليف موسيقى بسرعة مع مصاحبات موسيقية نموذجية وآلات موسيقية متعددة وإيقاعات.
وتؤلف البرمجية مسارات لحنية راسخة وترسم أفكارا موسيقية متناسقة كما تتيح بناء هياكل موسيقية متكاملة وإنشاء توزيعات موسيقية غنية، بدءًا من الصفر وصولًا إلى مدوَّنة نهائية.
وإلى جانب هذه البرمجية الأساسية برامج فرعية مثل Cinematic SFX للمؤثرات السينمائية الخاصة وآخر Cinematic composing يقدّم نصائح وتقنيات وإرشادات لتأليف الموسيقى بشكل أسرع وتحقيق جودة صوتية أفضل.
هذه قطرة من بحر مما يمكن أن يقدّمه الذكاء الاصطناعي من خدمات نوعية وعلى الموسيقيين الموهوبين أن يستغلّوها بما يضيف للموسيقى بعضًا مما أضافه السابقون دون أن تُنزع منهم إنسانيتهم أو ينشغلوا عن قضايانا الأساسية.
