
بعد أن ألبس ترشحه للرئاسية الفرنسية المقبلة في افريل 2022 بالضبابية و التشويق لأشهر طويلة، قطع الصحفي والكاتب والمجادل ذو التوجه اليميني المتطرف ايريك زمور الشك و اعلن رسميًا عن قراره دخوله السباق الى الايليزي عبر شريط فيديو بثه في شبكات التواصل الاجتماعية قبل ان يؤكده عبر وسائل الاعلام الجماهيرية.
لم يكن هذا الاعلان مفاجأة لان الرأي العام كله كان ينتظره بعد ان هيمن زمور على الاعلام و شغل الخاصة و العامة و تحول الى ظاهرة اتصالية يجلب الاهتمام جلبا بمواقفه المتصلبة و خطبه النارية التي يوجّه ألسنة لهيبها ضدّ المهاجرين ، و بالتحديد ذوي الديانة الاسلامية منهم و الذين يكيل لهم اخطر التهم و يحملهم كل جرائم الارهاب و العنف و الاغتصاب و السرقة التي تحدث في فرنسا، مستندا في ذلك الى نظرية “الاستبدال الكبير”الذي ابتدعها الزعيم اليميني المتطرف جون ماري لوبان.
ونظرية الاستبدال الكبير كما يراها زمور و سابقوه مثل لوبان و ابنته مارين و غيرهم، تتلخص في اعتبار العمال المهاجرين المسلمين اداة لتغيير الطبيعة الثقافية العبر-مسيحية للمجتمع الفرنسي و يعملون على اخذ مكان السكان الفرنسيين الاصليين وتحويلهم الى اقلية ثقافية و جعل الثقافة الاسلامية هي ثقافة الاغلبية الطاغيه.حول هذه النظرية بنى زمور خطابه و شن به و من خلاله حربا شعواء على نخب فرنسا و مثقفيها يتهمهم بالتراخي و يحملهم مسؤولية انحدار فرنسا و تقلص اشعاعها و تراجع دورها السياسي و مكانتها العلمية و الصناعية في العالم.
و في مدة زمنية قصيرة تحول زمور الى نقطة تركيز اعلامية ادخلت الارتباك في الاوساط السياسية اليمينية التقليدية التي لم يزدها صعوده السريع في إستطلاعات الرأي وصل الى 18% من نوايا التصويت، الا حيرة و انقساما.
كيف التعامل مع هذه الظاهرة التي تستغلّ كل نقاط ضعف المجتمع الفرنسي لكسب اصواته؟زمور يقدّر جيدا مستوى حنين الشعب الفرنسي الى ماضي فرنسا الامبراطوري لذلك فهو يعزف على وتر الامجاد الضائعة و هو يعرف كذلك مستوى التشاؤم الذي ترسخ في قلب الفرنسيين حتى ان الاحصائيات تشير الى ان اكثر من 19% يرون ان الأبناء لن يكون لهم مستقبل افضل من آبائهم.كما انه يدرك ان نسبة كبيرة من مواطنيه تصل 41% يعتبرون ان عدد المهاجرين اكبر مما تحتمل فرنسا.
كل هذه المعطيات هي بمثابة الخبز الساخن الذي يُقدّم للمترشح ذي الأصول الجزائرية، لذلك فهو يرمي بكل قوته في المعركة الانتخابية مستهدفا المهاجرين المسلمين بكل اجيالهم و محمّلا اياهم كل مصاعب و متاعب فرنسا ليستقرّ بذلك في ما يعتبره الشواغل الحقيقية للفرنسيين.
و السؤال هو:الى اي مدى يمكن ان يذهب زمور؟ لم ينس احد شهر ماي من سنة 1995 تاريخ صعود لوبان الذي يتبنى اليوم زمور نظريته العنصرية الاصلية الى الدور الثاني للرئاسية ضد المترشح جاك شيراك و ما خلفّ ذلك من صدمة سياسية ما يزال المجتمع الفرنسي يعاني تبعاتها.
الشعب الفرنسي وان كان يعيش ما سماه بعض الملاحظين ب”القلق الديمقراطي” فانه يبقى شعبا مثقفا واعيا يقظا و هو يعلم ان المستقبل لا يبنى بالدعوة الى ماض وهمي، وان مشكلات المجتمع الفرنسي مشكلات حقيقية عناوينها العدالة الاجتماعية و القدرة الشرائية و الصحة و المشاركة الفاعلة في الشان السياسي و تطوير آداء المؤسسات التمثيلية.
لا غرو اذن كما يرى ذلك العارفون بواقع السياسة في فرنسا ان يمرّ سحاب زمور و ينزاح الكابوس الذي أصبح يشكله للمسلمين في فرنسا.
كبار ساسة هذه البلاد و مفكروها على اختلاف انتماءاتهم يعلمون ان هذا الرجل خطرٌ على فرنسا و مصالحها الخارجية حاضرا و مستقبلا. بعضهم يصرح بذلك والبعض الآخر يفضل التكتم لحسابات انتخابية معلومة.
و ما من شك ان ظاهرة ايريك زمور ستترك آثارا بليغة في جسم المجتمع الفرنسي بعد انتخابات الربيع.
![]() | RépondreTransférer |