
حضارة تتنفس وتشعّ نورا لكن تعاني من ضعف الإقبال زمن الكورونا وحتى قبله، وربما يبقى كذلك بعده، اذا لن تخلق السلط الثقافية والسياحية ديناميكة “ذكية”، التي ولدت مع الكوفيد وستحدد اختيارات الزوار من بعيد وخاصة الشباب والدارسين الذي وضعت الوسائط الاجتماعية أمامهم اختيارات عديدة لاكتشاف حضارات غابرة لعلهم يجدون فيها ما يشفي نهمهم العلمي والثقافي.
يجب اعادة رسم خارطة المواقع الأثرية الكثيرة في بلادنا في الهواء الطلق، وتسهيل الوصول اليها واعادة هيكلة الممرات المدروسة داخلها، حسب الأهمية التاريخية والجمالية كذلك، وعرض أهم المعلومات ووضعها على ذمة الزوار بلغات مختلفة عبر الوسائط السمعية ليتجول الزائرون وهم يستمعون لشرح محتويات الموقع الذين هم بصدد زيارته، لصعوبة ايجاد دليل سياحي محترف في غياب السياح لمدة طويلة واذا وجد ربما لا يعطيهم ما يفتشون عنه لضعف في التكوين او اللغة او الارادة..
فكرة “اعرف بلدك”، قادتني الى فسحة في أفضل الأماكن في تونس التاريخ والحضارة وبالأخص قرطاج ذات الصيت العالمي، وبالضبط موقع هضبة بيرصا الذي كان قلب المدينة وذي بعد استراتجي، فقد كان يمثل مركز سيادة الإمبراطورية القرطاجية.
الميناء البوني الجميل مصدر قوة قرطاج، شاهد على تعديات البشر وغزو الموقع الأثري بمنازلهم الفخمة التي أكلت ما فيه الكفاية من اثار بونية ورومانية وهذه حكاية أخرى!!
حمامات أنطونيوس لم يبقى منها الكثير فالمؤرخون يقولون انها بنيت بطابقين عدا الارضي الذي يستغل لتسخين الماء والطابقين العلويين، خصص الاول للرجال والثاني للنساء بعدما كان في الاول طابقا واحدا مختلطا..
على مرمى العين تشاهد بقايا اثار مترامية قبالة البحر مباشرة، البعض منها لا تراه بالكيفية المعمقة في اي دليل سياحي.
تم تشييد هذه الحمامات في عهد الإمبراطور الروماني أنطونيوس ( 86 ميلادياً – 161 ميلادياً).
وهي عنوان للبذخ في دولة مزدهرة عمد الرومان الى تحطيمها وحرقها بعد ثلاث حروب بونيقية.
حنبعل القائد العظيم تمكن من الوصول الى مشارف روما وحقق انتصارات لا مثيل لها ولكن حصلت خيانات في قرطاج ارادوا التخلص منه ولم يمدوه قط بالامدادات التي طلبها منهم ورغم ذلك رجع الى بلاده حيا.. وانتهى كل شيء ..
وبقيت قرطاج الأثرية، بونية، رومانية وتونسية الى الأبد.
رغم نهب الكنوز الأثرية في كل انحاء الجمهورية في الحقبة الاستعمارية وغيرها، تبقى الاثار مترامية ومهجورة فوق الارض وتحت الأرض وغارقة تحت مياه البحر، وفي المتاحف العالمية وبيوت الأغنياء بدون أن تحدث سلطنا أجهزة أمنية وشرطة آثار مختصة مهمتها اقتفاء اثر الكنوز المنهوبة وارجاع المسروق أينما وجد بالخارج او بتونس، بصورة غير قانونية.
بعد جهد جهيد استعادت أثيوبيا في 4 جوان 2008 مسلة «أكسوم» التي كانت جيوش موسوليني نقلتها إلى إيطاليا في عام 1930 وزينت بها احدى ساحاتها.
وتعدّ إعادة المسلة وغيرها من الآثار المسروقة سابقة كانت ستفتح الباب أمام عودة العديد من المسروقات الأثرية في العالم إلى بلادها الأصلية الا ان ذلك لم يحدث!!
مثال اصرار اثيوبيا في عدم التفريط في كنوزها الأثرية لاسترجاع المنهوب من البلدان الاستعمارية ومن لفّ لفّها لم يحرك الارادة السياسية لدى بلدان المغرب العربي وخاصة مصر التي بقيت مسلاتها الأثرية الفرعونية الكثيرة المجلوبة او المنهوبة تجمل ساحات روما..
لا شك ان الدولة تقوم بحماية المعالم التاريخية وتحافظ على التراث في البلاد وتجتهد في ذلك رغم النواقص والسرقات والاتلاف ، ودورها سيبقى منقوصا من دون انخراط المواطن التونسي، وتوعيته بقيمة الثروة التراثية والتي لم تعد ملكنا وحدنا فمنذ العام 1985 صنفت “اليونيسكو” موقع قرطاج الأثري ضمن قائمة التراث العالمي.
