
ثمّةَ مئات الأساتذة ومدرّسي القانون في الجامعات التونسية وغيرها، وخلافا لما توحي به كلمة “قانون” التي يفترض بها التعبير عن أسمى القيم الانسانية وأنبلها، من بينها “العدالة” و”الحرّية” و”الديمقراطية” و”المواطنة” و”التشاركية” و”الدولة المدنية” و”الفضيلة الأخلاقية”، فإن هؤلاء، الذين يسمون “رجال القانون” عبر التاريخ وفي جل العصور كانوا في غالبيتهم في خدمة “الاستبداد” و”الديكتاتورية” وعلى ذِمَّة “المستبدين” و”الطغاة” باعتبارهم “خبراء” و”تكنوقراط” و”جامعيون” و”أكاديميون” و”محايدون مزيفون” وهكذا..
قلّة من بينهم كانوا نزهاء وصادقين يرفضون التحوّل إلى “تارزية قوانين” و”مستشارين مرتزقة” و”خبراء حسب الطلب”..
بل لعلَّ بعضهم، أي رجال القانون، سمحوا لأنفسهم بأن يتحوّلوا الى طغاة ومستبدين وأن يكونوا نموذجا “سافرا” في خرق القوانين والتلاعب بها وتطويعها بكل أنواعها من الدستورية الى التشريعية الى الأوامر الإدارية..
وها أننا نرى كيف تطوّع “رهط” من بينهم، بمسوّغات مختلفة ومن منطلقات مصلحية متباينة، وربّما من حميّة قطاعية بائسة، ليكونوا بناة ديكتاتورية ناشئة بديلا عن الديمقراطية الواعدة، وليتحوّلوا عمليا إلى “أوليغاركية” أو أوليغارشية حاكمة، أقلية تريد أن تفرض من باب “الخبرة القانونية” إرادتها على أغلبية، وتستغل شرعية انتخابية رئاسية مؤقتة في تمرير وثيقة دستورية عليا، يفترض ان تكون في أثرها القانوني دائمة ومستدامة، والحجة هنا بحسب أحد المتحذلقين من بينهم، ممن يزعم باستمرار أنه لا يمارس السياسة وهو غارق في الايديولوجيا السياسية الى أذنيه، أن “الالية ليست مهمة قياسا بالغاية”، وهذا ترجمان لأفسد قاعدة حكمت الاجتماع السياسي، ألا وهي “الغاية تبرر الوسيلة”، فيما يجب ان تكون الوسيلة من جنس الغاية..
حكم الأوليغارشية القانونية لن تنطلي حيله على الناس طال الزمان أم قصر، وسنعود إلى التشاركية باعتبارها الالية النبيلة الاسلم والأفضل والأنجع لإنجاز الاصلاحات المطلوبة سياسيا وقانونيا ودستوريا، والى الحوار الذي يمثل التونسيين بجميع توجهاتهم وعائلاتهم السياسية..
الصمود الحقيقي هو كل صمود تتفق فيه الالية النبيلة مع الغاية الأكثر نبلا..
لا ذاك الذي يرغب في تجاوز السيادة الشعبية باسم السيادة الشعبية.
