بقلم: الحبيب المستوري
قال إسخيلوس ، الكاتب المسرحي اليوناني العظيم ، إن الضحية الأولى في الحرب هي الحقيقة.
بعد خمسة وعشرين قرنا ، لم تتغير الأمور. في عصر الشبكات الاجتماعية ، دائمًا ما تكون عمليات إعادة البناء ومقاطع الفيديو والشهادات متحيزة بالضرورة.
أيضًا في أوكرانيا ، أول صراع يمكننا أن نرصده ونحكي عنه ونصطف مع هذا او ذاك..
لكن أين الحقيقة! قامت وسائل الاعلام الايطالية بأنواعها بصنصرة كلام البابا فرانشيسكو, حيث تم حجب كلماته القاسية ضد الأسلحة والحرب في اوكرانيا.
على غير العادة لا يوجد أي اثر لتصريحات الحبر الأعظم في الصحف ولا في نشرات الاخبار المتلفزة ولا في النشرة الرئيسية المسائية للساعة الثامنة.
وتسبب هذا التصرف الخاطئ والمسيء لمهنة الصحافة والمرفق العمومي بايطاليا في “حالة من الاحتقان غير مسبوقة”، فأخبار القناة العمومية الاولى Rai1 الاكثر متابعة والتي تأتمر بأوامر اي حكومة في السلطة لم تحرم أبدا الأب الأقدس من المساحة الاخبارية الممنوحة للفاتيكان طوال السنة، على الرغم من أن تصريحاته قد تبدو غير مريحة في بعض الأحيان مثل مواقفه الانسانية تجاه المهاجرين او موقفه من الزواج المثلي او من الاسلام.
ومع ذلك ، لدى التلفزيون الحكومي هناك هيكل مخصص يسمى Rai Vaticano ويعنى بتقديم أخبار الفاتيكان والتفاصيل اليومية للبابا وتغطية أنشطته وزياراته داخل وخارج ايطاليا.
ماذا يحدث داخل أروقة السياسة وكيف سيتم التعاطي مع اراء وتصريحات البابا فرنسيس العلنية ضد ارسال اي أسلحة الى اوكرانيا او فيما يخص انتقاداته للبرلمانيين الاروروبيين والايطاليين بالأخص لموافقتهم على ترفيع ميزانيات التسليح بـ2% من الناتج الداخلي الخام.
ولم يبدي أي استعداد للتوسط او الذهاب الى ساحة المعركة, ناصحا اياهم بتشديد العقوبات عوضا من ارسال الأسلحة..
بعد حجب كلمات البابا الخاصة باوكرانيا، بادر في اليوم التالي التلفزيون العمومي ببث برنامج مباشر لأكثر من ساعة “تكريس روسيا وأوكرانيا لقلب مريم الطاهر” الذي احتفل به البابا نفسه في بازيليك القديس بطرس.
المحتوى هو بالتأكيد أقل “حساسية” من وجهة نظر سياسية ، ولكنه أيضًا أقل صلة بالموضوع من حيث المعلومات.
“من الواضح الآن أن السياسة الجيدة لا يمكن أن تأتي من ثقافة القوة التي تُفهم على أنها هيمنة وقمع ، ولكن فقط من ثقافة الرعاية، رعاية الإنسان وكرامته ورعايتنا للبيت المشترك.
وللأسف فإن الحرب المخزية التي نشهدها تثبت عكس ذلك “.
جاء ذلك على لسان قداسة البابا ، في استقباله الحضور في اجتماع (المركز النسائي الإيطالي) الخميس 24 مارس الجاري.
وتابع البابا فرانسيس: “أعتقد أنه بالنسبة لمن ينتمون إلى جيلي منكم لا يطيقون أن يروا ما حدث ويحدث في أوكرانيا”.
“لكن للأسف هذه هي ثمرة منطق السلطة القديم الذي لا يزال يهيمن على ذلك وتسمى الجغرافيا السياسية.
يثبت ذلك تاريخ السبعين سنة الماضية: بحيث كانت الحروب الإقليمية موجودة أيضا.
لكن المشكلة الأساسية هي نفسها: نحن مستمرون في حكم العالم كـ “رقعة شطرنج” ، حيث يدرس الأقوياء طرق بسط الهيمنة على حساب الآخرين “.
“الجواب الحقيقي ، إذن ، ليس أسلحة أخرى ، بل عقوبات أخرى” ، أطروحة البابا ، الذي أضاف: “لقد شعرت بالخجل عندما قرأت أن مجموعة من الدول التزمت بإنفاق 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، على الأسلحة. الشراء ، كرد فعل على ما يحدث الآن. هذا جنون!
الجواب الحقيقي ، كما قلت ، ليس أسلحة أخرى ، أو عقوبات أخرى ، أو تحالفات سياسية وعسكرية أخرى ، بل مقاربة أخرى ، طريقة مختلفة لإدارة العالم المعولم الآن وعدم إظهار القوة ، كما هو الحال الآن – بطريقة مختلفة تفرض نموذجا جديدا في العلاقات الدولية. إن نموذج العلاج موجود بالفعل ، والحمد لله ، لكنه للأسف لا يزال خاضعًا لنموذج القوة الاقتصادية – التكنوقراطية – العسكرية “.
معلومات ربما لا تعرفها عن البابا ومدينة الفاتيكانالبابا هو أسقف روما وخليفة بطرس ، الرسول ، لذلك نائب المسيح على الأرض.
وهو بالتالي على رأس كل من مدينة الفاتيكان والكرسي الرسولي. ويحكم كل كاثوليك العالم بأسره.
إن مدينة الفاتيكان والكرسي الرسولي هما كيانان متميزان تمامًا لهما طبيعة مختلفة ، وإنشاء ، ووظائف.
الكرسي الرسولي هو هيئة الحكم المركزية للكنيسة الكاثوليكية الرومانية بأكملها الواقعة داخل مدينة الفاتيكان ، وهي دولة مستقلة تقع بمدينة روما.
مدينة الفاتيكان أصبحت دولة في عام 1929 ، وتحتل مساحة 44 هكتارًا ، ويبلغ عدد سكانها حوالي 1000.
مواطنو الفاتيكان هم أساسًا العاملون في الكرسي الرسولي الذين قد يلغي البابا جنسيتهم في أي وقت أو عندما يتوقفون عن العمل بالكرسي الرسولي.
أولئك الذين يفقدون جنسية الفاتيكان يصبحون مواطنين إيطاليين تلقائيًا.توجد مدينة الفاتيكان كملكية كنسية مطلقة وغير معترف بها كديمقراطية ، وبالتالي ليست عضوًا في معظم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.
قبل معاهدة لاتران عام 1929، لعب الكرسي الرسولي قيادة علمانية وروحية.
ومع ذلك ، فإن توحيد إيطاليا وغزو الدول البابوية جعل البابا أسيرًا داخل الفاتيكان بين عامي 1846 و 1929 حتى وقع البابا بيوس التاسع معاهدة لاتيران وتخلّى عن القيادة العلمانية للتركيز على المسائل الروحية.
يُعترف بالكرسي الرسولي الآن بدون سلطات إقليمية وميزات دولة مثل المواطنة الدائمة ككيان قانوني في القانون الدولي وله القدرة على إبرام اتفاقات والانخراط في علاقات دبلوماسية مع البلدان الأخرى ، وهو وضع أعيد تأكيده في معاهدة لاتران.