
أدّت، أمس، ضربة صاروخية روسية على مدينة سومي، شمال شرق أوكرانيا، إلى سقوط 34 قتيلا، بينهم طفلان، وإصابة حوالى مائة شخص آخرين، كلهم من المدنيين الذين كانوا يتجولون في اسواق المدينة في يوم عيد ديني.
الحادثة تمثّل مأساة كبيرة، هائلة الأبعاد دون شك، ومناصرو أوكرانيا من الغرب الحرّ الأوروبي والأمريكي لم يخطئوا حين عبروا عن صدمتهم واندهاشهم ليدينوا بكل ما تمتلك لغاتهم من عبارات السخط والغضب هذ الجريمة الروسية.
في غزة يتساقط الناس منذ سنتين ونصف السنة تحت قنابل الجيش الاسرائيلي كأوراق خريف لا يريد ان ينتهي، ويُقبر الأطفال تحت أنقاض منازلهم التي لم يبق منها غير أكوام من الحجر والتراب. مئات الغزاويين أغلبهم أطفال ونساء يموتون كل يوم بالحديد والنار وكذلك، وهذا، اشنع، بالجوع والعطش وقلة الأدوية وانعدام الحاجيات الإنسانية الدنيا بسبب الطوق الذي ضربه الجيش الإسرائيلي على كامل القطاع. عدد القتلى في غزة تجاوز اليوم ال50 ألفا، والمصابون فاق عددهم 115 ألفا من مجموع سكان لا يتجاوز عددهم 2،1 ساكن. وبين هؤلاء القتلى يصل عدد الأطفال إلى حد شهر جانفي الماضي 500 14 قتيل و 000 25 مصاب (حسب اليونيسيف).
طبعا، لا مأساة يمكن أن تبرر أخرى، والمقارنة بين موتى أوكرانيا واموات غزة لا معنى لها. لكن ذلك لا يمكن أن يمنع من ملاحظة أن الغرب يميّز في تأثّره وردة فعله إزاء غزة وإزاء أوكرانيا. يجد العبارات الأكثر بلاغة وشدّة ليدين الاعتداء على سومي الاكرانية وتتعطل الكلمات وتتعثر في حنجرته حين يتعلق الأمر بغزّة.
انها سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين التي تحوّلت الى منهج في التعامل والتي أصبح اليوم بمقتضاها الدم الفلسطيني أقلّ قيمة من الدم الأوكراني، وحياة الفلسطيني أقل أهمية، وأصبح قتله، بالنتيجة، أكثر سهولة وقبولا.
أمام هذا النفاق الذي اسقط قناعه ولم يعد يخجل من نفسه، لا يسعنا نحن الذين درسنا في مدارس وجامعات الغرب الّا أن نطرح هذا السؤال الحارق: هل ما تعلمنا عنهم كان حقيقة ام مجرد كذبة؟
هل القيم الإنسانية التي اجتهدوا في تلقيننا اياها كانت حقيقة ام مجرد اكذوبة؟ هل الحرية كذبة؟ هل حقوق الإنسان وهم؟ هل المساواة بين البشر خدعة؟ هل الديمقراطية سراب؟
ام هل نحن المسؤولون عمّا يصوروننا فيه لأننا اثبتنا، ونثبت كل يوم، اننا غير قادرين على استيعاب تلك القيم والعمل بها ولا نصلح الا للتناحر وتبديد ما حبتنا به الطبيعة من ثروات في شراء اسلحتهم نوجهها إلى صدور بعضنا البعض؟ السنا نحن الذين بتشتتنا وفرقتنا ورضانا بالهوان من تسببنا في خفض قيمة دمنا العربي؟