
اقترن اسم الموسيقار الإيطالي فيردي Guiseppe Verdi (1813-1901) صاحب أشهر الأوبرا الكلاسيكية في القرن التاسع عشر مثل عايدة، ريڤوليتو، فالستاف، ترافياتا نابوكّو (نبوخذنصر) وغيرها بحركة البعث Risorgimento التي تزعمها غاريبالدي (1807-1882) لتوحيد إيطاليا المقسّمة إلى دويلات وإمارات مُستعمرة أو محميّة إكراها.
وقد آمن بالوحدة الإيطالية وساند زعيمها حتى صار اسمه رمزا لمناصرة السلطة الدستورية الوحيدة في إيطاليا أي مملكة Piémont-Sardaigne التي يحكمها فيتّوريو إيمانويل الثاني. فعندما يخطّ الوطنيّون على الجدران يعيش فيردي Viva Verdi كان الشعب يترجمها يهيش فيتّوريو إيمانوير ملك إيطاليا viva Vittorio Emanuel Rey Di Italia.
بحلول منتصف القرن التاسع عشر، صار فيردي واحدًا من أكثر مؤلفي الأوبرا طلبًا في أوروبا. من ميلانو إلى نابولي، ومن باريس إلى فيينا، بيعت جميع أعماله، وكان كل إبداع يتطلب أسابيع طويلة من التدريبات المكثفة. خلال هذه الفترات، استقر فيردي بالقرب من المسارح، فأصبح شخصية مألوفة ليس فقط لدى الفنانين والموسيقيين، بل أيضًا السكان المحليين.
كان فيردي قرويّا بسيطا ومتحمّسا، ذا خُلق عالية تتجلى من خلال أعماله الفنية وكذلك من خلال مساهماته في بناء المستشفيات ودور المسنين. ويعتبر النقاد أن عديد أعماله هي مثال للحب الذي يحمله فيردي لشخصياته التمثيلية، ذلك الحب الذي ميّز هذا الفنان المتعلّق بمبدأ الصدق في الفن والسخاء في العاطفة طوال حياته الفنية والإنسانية.
في نابولي، وبينما كان يتدرب على إحدى أوبراته، انبهر فيردي بمشهد يتكرر يوما بعد يوم. فقد تجمعت مجموعة صغيرة من الأطفال الفقراء بهدوء أمام المسرح. لم يصدروا أي صوت، ولم يجرؤوا على الكلام، لكن ملابسهم الممزقة وأعينهم التي جفت من الجوع تحدثت عنهم.
لم يكونوا هناك للاستماع إلى الموسيقى: بل كانوا يتنفسون روائح الوجبات المقدمة لموظفي المسرح. أثار هذا الأمر فضول فيردي، فسأل أحد العاملين على المسرح، الذي أخبره أنهم أطفال شوارع، ومعظمهم أيتام.
بدون ضجة ولا رغبة في التفاخر، أمر فيردي بإطعامهم. لم يكن يُريد أن يُطردوا، أو يُشفق عليهم، أو يُحاضر عليهم. كل ما أراده هو أن يأكلوا. ومنذ اليوم التالي، صارت تُقدم لهم وجبات ساخنة يوميًا في مؤخرة المسرح. وكان فيردي نفسه هو الذي تكفل بالتكاليف، دون أن يذكر ذلك على الإطلاق بل إنه طلب بشكل خاص أن يظل الأمر سريًا.
فهل اقتدى به واحد من الفنانين العرب الذي يتقاضون المايارت من بلدان البترول المترفة مقابل مهرجانات الترفيه والتسلية ؟ هل حرّكت هممَ العُرب حالةُ أطفال غزّة الذين يتضوّرون عطشا وجوعا ويموتون ألف مرة في اليوم ؟ كيف يتلذذ هؤلاء ولائمهم الوفيرة ويسعدون بتبذيرهم السافر وينامون مرتاحي البال في حين يموت المدنيون تحت القصف المستمر منذ ثمانية وخمسين يوما وأكثر ؟
ألم تكفهم آلاف مليارات الدولارات التي صرفوها على الفصائل المسلّحة لاسقاط أنظمة يقولون عنها دكتاتورية وغير ديمقراطية وهم أبعد الناس عنها “كبعد الأرض عن جوّ السماء” ؟
لم يبق أمامكم يا أهلنا بفلسطين سوى الصبر والصمود. لقد باعكم أهلكم وتركوكم وحدكم كما فعل أنصار الحسين في كربلاء. إنكم محاصرون: العُرب وراءكم والعدوّ أمامكم وما من مفرّ.
لم يعد أمامكم من خيار سوى المقاومة بكل قوة، فإن أردتم أن تنفذوا فلا تنفُذون إلا بسلطان، ولا سلطان غير قوة العلم والسلاح.