•عرفته الجماهير العريضة عبر العروض الفرجوية الكبيرة مثل “النوبة” و”الحضرة” و”الزازة” …لكن الفاضل الجزيري الذي توفي اليوم، بعد صراع مع المرض عن عمر 75 عاما، كان رجل مسرح كتب ومثّل وأخرج أعمالا أثرت التجربة المسرحية الوطنية.
في حياة الراحل الذي ولد وكبر في وسط متصل بالنشاط الثقافي بالعاصمة، والذي أبدى اهتمامات منذ بداية حياته التلمذيّة في المعهد الصادقي بفنون الفرجة، محطات كان لها وقعها وتأثيرها في الحياة الثقافية الوطنية.
أهم هذه المحطات كان تأسيس الفرقة المسرحية القارة بقفصة سنة 1972 بمعية ثلّة من رفاقه الذين سيواصلون لاحقا، فرادى أو ضمن هياكل ومؤسسات مختلفة، مغامرة الانتاج المسرحي، ومنهم محمد رجاء فرحات، وفاضل الجعايبي، وجليلة بكار، ورؤوف بن عمر، وسمير العيادي، ومحمد العزيز بن عثمان…
بعد قفصة وانتاجات مسرحية ناجحة مثل “الزازية الهلالية” و “جحا والشّرق الحاير” و” وتغريبة محمد علي الحامّي” والبرني والعترة”، تكوّنت نواة صلبة من الثلاثي فاضل الجعايبي وفاضل الجزيري و جليلة بكار أسست”مجوعة المسرح الجديد” مع منتصف ثمانينيات القرن الماضي لتفتح باب الفن الرابع على تجربة شكّلت منعطفا في الممارسة المسرحية في تونس، بفضل ما تميزت به من عمق في الرؤية، وجرأة في الطّرح الفكري، والتصاق بالواقع المعيش، ودقّة وصرامة في الأداء الفني.
وساهمت هذه التجربة التي حملها الفاضل الجريري بمعية رفيقة الجعايبي، في تجديد وتوسيع الآفاق الجمالية بمشاركة فنانين مقتدرين أمثال محمد ادريس ورجاء بن عمار وعدد من كبار الممثلين من بينهم لمين النهدي، وكمال التوالي، وفاطمة بن سعيدان، ومقداد السهيلي، وفتحي الهداوي.
ولعب فاضل الجزيري دورا محوريا في تثبيت النّمط الجديد للكتابة المسرحية المتميزة ببعديها الشعري والناقد. ومن الأعمال المحفورة في ذاكرة الجماهير مسرحيات “العرس” و”التحقيق” و”وغسالة النوادر” و”لام” و”عرب”و”العوادة” وخمسون”.
مع مطلع الألفية الثانية انفصل الفاضلان واتخذ الجزيري طريقا إلى الإنتاج السينمائي بنجاحات متفاوتة. لكن تميّزه ظهر في أعمال حاولت الغوص في التراث الموسيقي والغنائي الشعبي وتقديمه عبر تصورات محيّنة تستفيد من التقنيات المرئية الحديثة ولا تتوانى في مزج عناصرها الفنيّة المختلفة وأحيانا المتباينة في ما بينها لتحقيق فرجة شاملة. وقد أقبلت الجماهير على ما انتجه الجزيري في هذا الاطار من اعمال صنعت الحدث في فنّ الفرجة وأنشأت مدرسة في المجال. ومن أبرز الأعمال التي قدّمها عروض “النوبة” و”الحضرة” و”المحفل” وغيرها.
ولم ينس الراحل حبًه الأول، المسرح، فعاد اليه عبر الكتابة والإخراج، وانجز أعمالا لافتة مثل “ثورة صاحب الحمار”و”كاليغولا” وأخيرا، وقبل ان يدركه المرض، مسرحية “جرانتي العزيزة” والتي كانت بمثابة وصيّة فنيّة ضمّنها اللحظات الفارقة في حياته.
ومن أهم نجاحات الفنان الكبير فاضل الجزيري إنشاؤه ل”مركز الفنون” الخاص الذي استثمر فيه حوالي 30 مليون دينار والذي يمتد على مساحة تغطي حوالي 10 هكتارات بفضاء يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج. لكن الأجل المحتوم لم يمهله فرصة تحقيق حلمه في جعل هذا المركز قبلة المبدعين في مختلف مجالات الفنون الحيّة في المتوسط.
رحم الله فاضل الجزيري.
جلال خالد