
بعد نزوات عابرة أصبحت اليوم أفكّر بصفة أكثر جدّيّة من ذي قبل في الانتحار كأحسن حلّ وآخر ما يمكنني إنجازه بعد حياة مثقلة بالإخفاقات على مختلف المستويات، لم ينفع فيها الصبر والحمد. وأحسبني حرّا في قراري وفي حياتي إن أردت وضع حدّ لعذاباتها بعد فقد آمالها رغم الاجتهاد وتكذيب نفسي والثقة العمياء، بل الزائفة، في الغيب والقدر. ألست حرّا في رفض مصير انتظرت من السماء أن يكون أفضل من الماضي فظلّ تعيسا شقيّا. حياة كهذه من دون الناس السعداء من حولي لا تستحقّ الرضى بها والسكوت عنها، بل الموت قبل أوانه خير منها، وليكن ما يكون بعد الانتهاء من العيش المضني وبعد الخروج من الدنيا الظالمة.
يقولون إنّ المنتحر في النار جزاء رفضه ما كتب خالقه له، وأنّه لو قوي إيمانه لما اقترف جريمة في حقّ نفسه من باب الكفر بنعمة الحياة مهما كانت. ولكنّي فيما قرأت طوال عمري لم أعثر على نصّ مقدّس يجرّم الانتحار. أليس من حقّي، إذًا، أن أرفض هذه النعمة التافهة، نعمة أنّي أحيا أرذل حياة، محروما من أيّة متعة؟ وهل ثمّة في العالم أشجع ممّن فعلها بنفسه ولم يُسىء لأحد؟ أيّ ضعف في هذا كما يعلّقون؟ إنّها قوّة التفكير وقوّة الإرادة، إنّها القوّة التي لا تضاهيها قوّة أخرى، والتي لا يمتلكها إلاّ الصادق مع نفسه والمؤمن بربّه، ولا يقدر عليها المتعبّد المتمسكن، والمنافق المتسلّل، والطامع في الحور العين كما هي الصورة في سورة الرحمان. وحاشى أن أكون من هؤلاء الذين يتاجرون فيبيعون الدنيا ليشتروا الآخرة أو من أولئك الذين يتظاهرون بالتعفّف فيترفّعون عمّا يسمّونه “وسخ الدار الدنيا” لعجزهم دونه. وإن بقي لي مطلب يوم الحساب فهو أبعد ما يكون وأسمى من أنهار الخمر والعسل، إنّه النظر إلى وجه الله الكريم على العباد وعليّ إذ منحني فرصة الوجود ولو من دون فضل زائد للإمتاع والإسعاد. فإن سألني عمّا فعلت بنفسي إن كان فيه رفض لقراري وكفر بقضائه أجبت بأنّي شاكر لما آتاني وحرّ في أفعالي كمن رفض هديّة أو خالف رأيا. وهل من الحقّ والعدل أن يعذّبني لأنّي مارست حرّيتي لتخليص نفسي من المعاناة الأبديّة التي أبت الجبال حملها بدل أن يجزيني عن ذات الحرّية التي اخترت بها الإيمان ونبذت الكفر والشرك، وإن لم أربح من الإيمان شيئا وغيري متمتّع بدنياه في إلحاده؟ أليس من الواجب الإلهيّ أن أثاب على شجاعتي إذ تصرّفت في حدود ملكي ولم أعتد على غيري بأذى ولو كان في حدود البغضاء والحسد؟
وسواء عندي ما سيقال بعدي، فلست مدينا لأحد إن ذمّني بالضعف أو مدحني بالقوّة، لأنّه لن يدركني ولن يلحق بي ضرّا أو يمنحني نفعا بعد أن حسمت أمري متأثّرا بأبي العتاهية في القرن الثاني الهجري في زُهديّاته وموافقا عنترة قبل الإسلام في قوله: .
لا تسقني ماء الحياة بذلّة * بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظل
ماء الحياة بذلّــة كجهنّــــــم * وجهنّــــــم بالعــزّ أفضـل منــــــزل
.