
تجاوز حجم ظاهرة الأغاني المولّدة بالذكاء الاصطناعي والتي تُنتج يوميًا دون تدخل بشري كل التوقعات. فقد بلغت أربعين ألف أغنية تبث يوميا على المنصّات الالكترونية وهو رقم غير مسبوق من الإنتاج الصناعي في تاريخ الموسيقى. ونتيجة لذلك اتخذت منصة Spotify مؤخرا إجراءات صارمة بإزالة 75 مليون أغنية مُنتجة أو مُولّدة تلقائيا من منصتها.
من جهة أخرى فإن ثلث الأغاني المنشورة يوميا على منصة Deezer تُولَّد الآن بواسطة الذكاء الاصطناعي الشيء الذي يجعل نموذج الإنتاج يتعثر بأكمله وراء هذا السيل العارم من الموسيقى دون موسيقيين. ويتساءل المختصون: من الرابح، ومن الخاسر ؟ والأهم من ذلك، ما قيمة الأغنية عندما لا يعود لها مؤلف ؟
لقد أثمرت “الثورة الرقمية” في المجال الثقافي عمومًا والمجال الموسيقي بشكل رئيسي عن بحوث تتناول من جهة الأثر الاقتصادي والتبعات القانونية لنشر المحتوى على الإنترنت، ومن جهة أخرى، تجديد أشكال التواصل والتفاعل بين الموسيقيين وجمهورهم.
وفي المقابل، فإن جوهر النشاط الموسيقي أي التدريب والعزف والتسجيل واستخدام الآلات الموسيقية قد أُهمل إلى حد كبير وكأن الوجود الملموس للموسيقي غائب عن تحليلات الموسيقى الرقمية.
قد يعتقد المرء أن ظهور الآلات الرقمية من أجهزة أخذ العينات ومحطات العمل الصوتية الرقمية والمركّبات والمؤثرات الافتراضية وكذلك تطوير العديد من الموارد على الإنترنت لم يكن بدون عواقب على جميع الممارسات التي تشكل النشاط الموسيقي.

جهاز أخذ العينات الصوتية
في ثمانينات القرن الماضي كانت المعازف الرقمية synthétiseurs numériques ولاحقًا أخذ العينات échantillonnage جزءًا من ثورة تكنولوجية بدأت تكتسح المجال الموسيقي سواء على مستوى التنفيذ أو الابتكار.
ثم ظهرت أجهزة أخذ العينات samplers وهي آلة موسيقية إلكترونية رقمية قادرة على تسجيل عينات صوتية ثم تشغيلها وتعديلها وتحويلها مع أو بدون معالجة وتتيح للموسيقيين تأليف مقطوعاتهم الخاصة من عينات إيقاعية أو فرق موسيقية أو مجموعات آلات موسيقية أو أوركسترا، كما يمكن استخدامها كمنصة لإنتاج الموسيقى.
وقع استخدام جهاز أخذ العينات مثل جهاز تسلسل المقاطع séquenceur وجهاز تخزين الإيقاعات boite à rythmes في أوائل ثمانينات القرن العشرين من قِبل المجموعات التي تستخدم الآلات الإلكترونية.
وجهاز التسلسل هي أداة قادرة على تسجيل وتنفيذ سلسلة من الأوامر مثل التدوين الموسيقي للتحكم في الآلات الموسيقية الإلكترونية وهو لا يُصدر أي صوت بذاته بل يُؤدي وظيفة تنفيذ التسلسل الموسيقي بصفة آلية.
يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى جدلاً أخلاقيا متزايدا حول الملكية الفكرية إذ صار بإمكان كل واحد أن يسبر أغوار المؤلفات المتداوَلة وأن يستولي على مقاطع جزئية منها ثم يوظفها بطريق المعالجة الالكترونية أو ما يسمى التلصيق collage.
والتلصيق الموسيقي هي تقنية تُنشأ فيها قطع موسيقية ومقطوعات صوتية جديدة بما في ذلك الأغاني باستخدام العينات أو حتى أجزاء من أسطوانات مختلفة.
وكما هو الحال في الفنون المرئية والتصويرية يُمكن أن يُنتج التلصيق الصوتي تأثيرا مختلفا تماما عن تأثير أجزائه المُكوّنة، حتى لو كانت الأجزاء الأصلية واضحة أو من مصدر واحد.
ويُعد “الكولاج” سمة من سمات فن الصوت لدى الملحنين المعاصرين مثل جون كيج John Cage (1912-1992) الذي يُعتبر أهم الملحنين المعاصرين في القرن العشرين وموسيقى ما بعد الحداثة، والهيب هوب hip hop، والفن الرقمي.
