
يتزايد حجم الموسيقى المُولّدة بالذكاء الاصطناعي بسرعة إذ تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من ثلث المقطوعات الموسيقية الجديدة التي تُضاف يوميًا إلى بعض المنصات مُولّدة بالذكاء الاصطناعي تأليفًا وتوليفًا وصوتًا وأداءً. وقد تصدّرت منصات البث من هذا القبيل أغان لا تُحصى ولا تُعدّ وراءها مبرمجون ليسوا فنانين.
ولنا أن نتساءل عما إذا كان الاصطناعي غيّر فكرة المهنة ذاتها وأبعدها عن مسالك الإنتاج التقليدية مثل استوديوهات التسجيل وشركات التسجيل وغيرها من الوسائل ذات الصلة. فالانخفاض الكبير في تكلفة المعدات، وطرق التعلم الجديدة، وظهور صناعة الآلات الرقمية، وإمكانية التحكم في جميع المراحل الإبداعية كان لها تأثير ملموس على المهن الموسيقية المباشرة.
وإذا كانت الدراسات تركّز على الجوانب الملموسة للممارسة الموسيقية في عصر التكنولوجيا فإن العناصر المكونة للوجود الرقمي وتاريخ التحول من التناظرية إلى الرقمية وتحول المهن والممارسات وإنتاج جماليات جديدة وظهور أنظمة أخرى للتعبير تثير كلها جدلا متزايدا حول مزايا وعيوب إزالة العناصر الحية المباشرة وتعويضها بالافتراضي.

ويرى بعض مؤلفي الموسيقى الجادة في المجال الالكتروني أن الذكاء الاصطناعي أداةٌ تُسهّل إنتاج الموسيقى ولكن في النهاية ليس فيه شيءٌ جديدٌ حقًا وأن فكرةَ وجود بديل للموسيقى الحية هي ضربٌ من الخيال.
فمهما بلغت التكنولوجيا درجة كبيرة من التطوّر لا يمكن لها أن تعوّض الفعل البشري ولا أداء الوُجدان الإنساني وبالتالي فهم يدعون إلى إيقاف الذكاء الاصطناعي مؤقتًا باعتباره “قضية وجودية”.
وإذ خلُصت الدراسات الأخيرة إلى أن جل المستمعين لا يستطيعون التمييز بين الموسيقى التي يُنشئها الإنسان وتلك المُولّدة بالذكاء الاصطناعي فإن منصات البث تواجه تحديًا في إدارة الكم الهائل من الافتراضي ومكافحة “المحتوى المزيف”.
وكما بيّنّا سابقا أن العمل الموسيقي بهذه التكنولوجيا يعتمد بالأساس على مخزون ما يُحفظ في الذاكرة الالكترونية من أصوات بشرية ومجموعات آلية ونماذج وأنماط وأساليب لحنية وإيقاعية فإنه يُثير قضايا تتعلق بحقوق الملكية الفكرية والتعويض للمُبدعين.
وثمة جدلٌ حول ضرورة توضيح متى يكون المقطع الموسيقي مُولَّدًا بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي أو مزيجا مع المباشر إذ أن بعض المستمعين يرغبون في معرفة مصدر المحتوى الذي يستمعون إليه.
ونحن نرى في بلادنا بدايات التركيز على هذا الاستعمال لإيهام المستمعين أن هذه الموسيقى أو تلك تقدّم مباشرة على المسرح أو في الفيديو وبتنفيذ بشري والحقيقة أنها مزيج من الواقع والافتراضي علاوة على استلافها من موسيقات عالمية معروفة المصدر سواء من حيث تراكيبها النمطية أو هيأتها الأوركسترالية.
لكن يبقى التساؤل مطروحا: هل أن الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة حقيقية في صناعة الموسيقى بتونس إذا ما استخدم في الاتجاه الصحيح أم أنه مجرّد موجة زيف عابرة ؟
