لا يعجبني مغادرة الاماكن التي تعودت عليها ككل سكان المدن الكبيرة، مثل روما التي اعشقها، ومع ذلك يؤرقني شوقي الى الذين أحبهم وهم بعاد نسبيا، بل هم وراء البحر، قرطاج اسم بلا جسد..
وعند اللقاء بهم تتغير كل الموازين وأنزع كل حرج وكسل وانغمس روحا وجسدا داخل الحيز الزمني بكل تفاصيله.
لقد اكتشفت بالصدفة حب الأماكن وحب التجوال وحب الطبيعة بتخطيط او حتى بصدفة الاكتشاف بعيدا عن الاكتظاظ وأعين الرقباء.. حتى التنقل بالحافلات او القطارات وسيارات التاكسي وعلى القدمين له نكهة..
وأحب الأماكن المفضلة اليَّ هي الأزقة والمواقع الاثرية والشواطئ كقول الشاعر “أحلق فوقَ أعمدةِ الحضاراتِ فأبتهل هنا تكونُ العبادةُ في أروقةِ المتاحفِ الجسديّةِ”.
لا نسمع الا أنين الأمواج ولا نرى حضور بشري، كل الحضور صنم عواميد رخامية ليست لها عيون وليس لها وجوه آدمية، تلوح في الخاطر ذكريات بعض من رحلوا ولم تبقَ إلا آثار الأماكن التي عاشوا فيها تذكرنا بهم.
أتحدى مرور نسيمات باردة تداعب الوجه دون ان تقلقه ولا تؤذيه..
والبحر الغيور يحاول اقناعي بالانسحاب فيبلل حذائي لكن أقدامي ترفض الانسحاب، وتنطلق قبلات الوداع للمجهول!
وتبقى الأماكن هي الأمَاكن ، نحن مَن نخلق فيها الحياة… هكذا كانوا وهكذا نكون!!