التقيتُه للمرّة الأولى في روما عن طريق صديق مشترك هو السيد حامد فجاري، وشد انتباهي مهاراته العالية والقيادية في العمل الاجتماعي والانساني بالخصوص، وقد أخذ على عاتقه مهمة تقديم الدعم والرعاية للأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة، دون أن ينفذ صبره! لقد اتفق الباحثون أن العمل الاجتماعي يرتبط بتاريخ الوجود، ووجود السيد رمزي العبيدي مرتبط كليا بالعمل الاجتماعي، استقر منذ مدة بمدينة كروتوني “Crotone” باقليم “كالابريا” بالجنوب الايطالي، من مواليد 1982 بتونس، متزوج من إيطالية وله ابن واحد.
متحصل على شهادة الأستاذية في الإعلامية المطبقة في التصرف “Maitrise en informatique appliquée à la gestion” بجامعة منوبة دورة جوان 2008. وهذه دردشة معه في مدينة كروتوني التي يقيم ويشتغل بها وتبعد عن العاصمة روما حوالي 650 كلم.
وهي مدينة شاطئية جميلة تحيط بها جبال مكسوة بالثلوج طيلة فصل الشتاء ويمارس فيها التزلج على الجليد.
البداية: تعرفت أثناء الدراسة بالجامعة في تونس على أستاذة من أصل إيطالي تدرّس اللغة الإيطالية وانتهى هذا التعارف بالزواج. على إثر تخرّجي دعيت للتدريس كأستاذ في الإعلامية بتونس وبعد هذه التجربة القصيرة في التدريس توجهت إلى ميدان آخر يتمثل في تكوين شركة خاصّة تهتم بالتعاون الدولي في ميدان التعليم العالي هدفها مساعدة الراغبين من الطلبة في الحصول على منح للدراسة بمختلف الجامعات الإيطالية في عديد الاختصاصات الطبية وشبه الطبية وغيرها وما صاحبها من إجراءات الحصول على المنحة والسكن والتأشيرة وغيرها…
وقد ساعدتني زوجتي كثيرا في هذا المستوى بحكم صلاتها المتعدّدة مع الجامعات والكليات والمعاهد الإيطالية كما وجدت الدعم من السفارة الإيطالية بتونس والتسهيلات لدراسة ملفات الطلبة التونسيين الراغبين في الدراسة بإيطاليا وقبولها نظرا لجديّة الملفات المقدمة لها في هذا المجال.
ورشة دار النساء: وفي الآن نفسه كوّنت برعاية ودعم من الديوان الوطني للصناعات التقليدية ووزارة التشغيل والإدماج المهني للشباب آنذاك بمدينة الكاف معتمدية نبّر شركة “Atelier Dar Nissè” سنة 2010 وقد أدمجت عددا من النساء والشابات في تربص قصد الإدماج والتأهيل في الحياة النشيطة بمقتضى اتفاقية مع الصناعات التقليدية وكانت تجربة ثرية حافلة بالعمل الاجتماعي.
مهرجانات سنويّة للأطفال KIDS FEST : وبما أن العمل الاجتماعي هو بالأساس عمل إنساني مميّز يضفي معنى خاصا على حياتنا ويربطنا بالمجتمع على النحو المناسب فقد سعيت إلى تقديم خدمة لفئة هامة في المجتمع وهي الأطفال الصغار فكوّنت جمعية للتعاون الدولي في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وفي ظلّها نظمت مهرجانات سنويّة للأطفال KIDS FEST بالتعاون مع بلدية سيدي بوسعيد من 2013 إلى سنة 2019 وتضمنت البرامج أنشطة ثقافية متنوعة تستجيب ورغبة الأطفال من خلال تعويدهم على الحياة الثقافية ومشاركتهم في مختلف الفنون الإبداعية والإبداع الفني بصفة عامة وقد ضم كل مهرجان تم تنظيمه ببلادنا مواكب استعراضيّة احتفالية بمشاركة أكثر من 3000 طفل ومرافقيهم من مختلف ولايات الجمهورية (من مدارس وحضانات وجمعيات…) وقد شرف هذه المهرجانات بالحضور عدد من السفراء المعتمدين بتونس ما يقارب 20 سفيرا.
ولاقت هذه المهرجانات نجاحا منقطع النظير من خلال الحضور المكثف للأطفال والتغطيات الإعلامية.
التحول الكبير: وفي سنة 2016 قرّرت الانتقال والاستقرار بإيطاليا لأسباب عائليّة أوّلا ولمواصلة الدراسة بالنسبة لي ولزوجتي ثانيا.
وواصلت تجربة العمل الاجتماعي هنا بمدينة كروتوني، ونظّمت مهرجانا مماثلا للأطفال في إيطاليا حقق نجاحا باهرا. فتم احتضاني من قبل المسؤولين البلديين والنواب والمثقّفين والإعلام الإيطالي الذين ركّزوا جميعهم على نجاح التجربة الثقافية والاجتماعية في تنظيم مهرجانات للأطفال فاستحسنوها ونصحوا بمواصلتها.
وبحكم تمكّني من اللغة الإيطالية وارتباطي بزوجة إيطالية وتجربتي في الميدان الاجتماعي تسنى لي الاندماج في الحياة الجديدة وربط علاقات واسعة ومتنوعة لتعويض غياب العائلة والأصدقاء وبدأت تتراءى لي مشاريع جديدة إيجابية شيئا فشيئا نحو مستقبل أفضل واستعادة الثقة والقدرة على التكيّف والجمع بين ثقافتين ومزج الثقافات يؤدّي إلى ثراء الحياة وتوفير الإمكانيات الجديدة مع الاعتقاد الرّاسخ أن الاغتراب يحمل مسؤولية كبرى في الاتجاهين سواء للبلد الأصل أو بلد الاستقبال.
وعلى صعيد الانساني: كما أنه بحكم تجربتي واتصالي بالمهاجرين فاني اكتشفت انّ عددا كبيرا منهم لهم مستويات ثقافية وعلمية محترمة ولهم تفاعل ورأي منطقي بكل ما يدور حولهم سواء ببلد الاقامة او بالوطن الأم، كما أن الدولة التونسية مطالبة من خلال السفارة والقنصليّات وديوان التونسيين بالخارج بضمان تحسين وجودة الخدمات المسداة للجالية التونسية وتقريبها منهم، وتعزيز الإحاطة بهم وتنويع قنوات التواصل معهم مع الاخذ في الاعتبار المتغيّرات الجوهريّة في بلدان الإقامة والتعقيدات المتصلة بالبطالة أحيانا والهجرة غير الشرعيّة ومخاطر انزلاق البعض وتورّطهم في أنشطة اجرامية.
على أرض الواقع: وبالنسبة لي شخصيّا وإيمانا منّي بأهميّة العمل الاجتماعي فقد ترأّست مكتبا للمهاجرين يتبع لمنظمة “كاريتاس” الخيرية وعضو مؤسس لجمعية صابير (SABIR) ووضعت من خلال هذه المهام مشاغل الجاليات كلّها في صدارة اهتماماتي وأبرمت في إطار أعمال المساعدة والدعم والتضامن “شراكة مع جمعيات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية ذات الطابع الاجتماعي والإنساني والخيري”.
وذلك لتوفير السكنى والدواء للذين ضاقت بهم السبل ووضعنا على الذمّة محامين للدفاع عن طالبي اللجوء وخاصّة القادمين من بلدان التوتّر كسوريا والعراق وأفغانستان.
دور الكنيسة محوري لاغاثة المحتاجين من كل الاجناس والاديان. هل تؤكد هذا؟
أكيد، تبذل الكنيسة جهدا كبيرا، يتمثّل في إرساء خدمات سريعة للمهاجرين كالأكل “وجبات ساخنة”، واللباس والغطاء وخصوصا للمهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون الى “جزيرة لامبيدوزا” والتي أصبحت شواطئها تعجّ بقوارب المهاجرين التي تنطلق من ليبيا وتونس عموما.
ونظرا لكثرة عدد المهاجرين الوافدين في كل حين، يتم توزيعهم على عدد من مراكز الحجز المؤقت في جهات ايطالية اخرى في انتظار اتمام عمليات التعرف على هوياتهم وترحيل البعض او اعطائهم رخص اقامة انسانية. وهذه معضلة كبيرة في زمن الكوفيد بالاخص على المستوى الايطالي والاوروبي والمنظمات الانسانية الايطالية والدولية.
زد على ذلك عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي واستفحال الأزمة الاقتصادية العالمية لا يشجّع أبدا على الهجرة من أي بلد كان بحكم ارتفاع معدّلات البطالة ونسب الفقر فضلا عن تواتر الاحتجاجات الاجتماعية وتعمّقها مع جائحة كورونا فإن الهجرة غير القانونية ليست حسب رأيي خلاصا سحريا من البطالة والفقر والاحتياج والتهميش.