بقلم: عبد الحميد الفلاح
أكّد أمس الأحد ممثل صندوق النقد الدولي في تونس جيروم فاشيه، أنّه “على البلاد التونسية الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية القيام بإصلاحات عميقة جدّا، بما في ذلك خفض حجم قطاع الوظيفة العمومية الذي يعتبر أحد أعلى المستويات في العالم”.
هذا الكلام من مسؤول اهم صندوق تمويل عالمي هو اشبع برسالة وداع لتونس لان جيروم فاشي انهى مهمته في بلادنا بعد ثلاث سنوات وقف خلالها على الاهوال التي عانى منها اقتصادنا وعاين كيف تم رش الملح بعناية كبيرة عليه حتى تعفنت جراحه وصارت غير قابلة للشفاء الا بمعجزة.
كلام المسؤول عن صندوق النقد الدولي في تونس يمثل رسائل بليغة لو يعيها المسؤولون فالرجل قال ان مشاكل تونس سابقة لجائحة كورونا وهي التي مكنت “الفيروس” من ان يجهز على البقية الباقية من شبه اقتصاد لا يستطيع اعتى الخبراء ان يفهم ماهيته وعلى أي اسس قام فلا هو اشتراكي ولا هو ليبرالي ولا يستطيع ان يفهم على أي ركائز وما هي نقاط قوته اذ حين يطرح موضع الفلاحة يتم الحديث عنها على انها محرك الاول للاقتصاد وانها مصدر قوته ..
نعم خاصة حين نتذكر ان تونس موسومة بانها “الخضراء” ولو نتتبع ارقام اداء القطاع الفلاحي فسنجد الحاصل ضعيفا فنحن نستورد ما ناكل وسجلنا عجزا مستداما في الميزان التجاري الغذائي رغم ان تونس معروفة تاريخيا انها “مطمورة روما” وجغرافيا ان ارضها في شمالها معطاء في مجال الزراعات الكبرى وان زيتونها من شمالها الى جنوبها محل اقبال عالمي وان بحرها ثري وان جريدها يمنح من التمور ما لا يوجد مثيل له في العالم ووقت ما يجد الجد ونتطلع الى حساب البيدر نجده مخالفا لحساب الحقل فلا الانتاج يكفي الشعب ولا هو يحقق عائدات ضخمة من التصدير وليس ادل على ذلك من ان خزينة البنك المركزي لا يوجد بها ما يكفي توفير حاجيات تونس من الواردات لاكثر من ثلاثة اشهر كما ان دينارنا مازال “صغيرا” اما سلة العملات الاجنبية الرئيسية في العالم ومازال يتصاغر امامها ..
وفي خضم كل ذلك لا تكاد شكاوى الفلاحين وصيحاتهم تتعالى من ان الفقر يحاصرهم وان نشاطهم لا يكاد يوفر لهم ما به يعولون عيالهم ونجد ان الشبان نفروا الفلاحة وهجروها ويرضى ان يمتهن عملا هامشيا في احدى المدن الكبرى او ان “يهج” من البلاد راكبا زورقا لا يكاد يحمل نفسه وسط الامواج المتلاطمة على ان يبقى في ارضه قائما عليها غرسا وزرعا ثم حصادا وجنيا ووقتها نتاكد ان الفلاحة في تونس لا يمكن ان تشكل ركيزة متينة لاقتصادنا وانها عالة عليه طالما اننا نستورد اكثر مما ننتج وان الدينار الذي انتظر منها دعما واسنادا ليجد توازنه زادت في الاعباء المحمولة عليه وحركت السكين في جراحه.
نغلق ملف الفلاحة ونتيقن انها لا يمكن التعويل عليها لبناء اقتصاد متين ونوجه انظارنا الى السياحة فعندها قد نفهم محركات اقتصادنا فالقطاع تم تخصيص وزارة تعنى باموره والوزارة خصصت لها ديوانا وكل مرة يطالعنا مسؤول من الوزارة بان العائدات ارتفعت وان القطاع يساهم بما نسبته 7 % من الناتج الداخلي الخام و ووفر 380 الف موطن شغل بين مباشر وغير مباشر كما يغطى 56% من عجز الميزان الصناعي للبلاد فنصاب بالدوار لان اصحاب النزل ووكالات الاسفار كلما اثثوا برامج وحوارات في مختلف وسائل الاعلام ما انفكوا يتحدثون عن ديونهم وعن مؤسساتهم التي اصبها الافلاس اما العمال فعين اتحاد الشغل لم ترهم وغفلت عنهم لان اغلبهم لا يشتغلون الا في مواسم الذروة وايامها قليلة وفي باقي السنة عليهم ان يتدبروا امورهم وان يتعايشوا مع الجوع والفقر ونعود مرة اخرى الى خزينة البنك المركزي فنجد ان افواج السياح الذين نسمع في كل مرة انهم حجوا الى تونس لم يتركوا بها ما به تسد فقرها وتسند دينارنا فنتأكد مرة اخرى ان السياحة لم توفر حتى ما به تتم تغطية الاستثمارات والاموال التي تم انفاقها عليها.
وينسحب الامر على الصناعة التي خصصت لها الدولة وزارة وهياكل تعنى بالجودة والتطوير والمرافقة عند التصدير في الخارج فلا نرى عائدات تقابل ما انفاقه لتكون لنا صناعة ذات وزارة وعدد مهول من الهياكل والادارات.
في انتظار كشف حقيقة تلك القطاعات وهل هي بالفعل رافعة للاقتصاد ومحركة للنمو اما انها “تقتات” من الدولة ويتعامل المستثمرون فيها مع الدولة بمنطق الغنيمة سنظل نبحث عن دعائم اقتصاد “ساقط” داسه مسؤولون اسندوا المستثمر فقط لانه “مستثمر” دون ان يروا “ثمارا” منه لا في دفع التشغيل لتتفاقم نسبة البطالة فتمس 18 بالمائة من الشعب ولا في توفير عائدات جبائاية للدولة في ظل تفاقم متنام للتهرب الضريبي ليلامس مستوى 20 مليار دينار لو عادت لخزينة الدولة لما التجأت الى صندوق النقد الدولي ولما جلست القرفصاء امامه تتسول تمويلات قد تصل الى البلاد بعد ان يسيل الدم فيها لان رفع الدعم وتخفيض الاجور لا يمكن الا ان يضعا الشعب تحت براثن الجوع والجائع قد يفعل المستحيل لينقذ نفسه من موت محقق ووقتها لن نر خطوطا حمراء لان ..
الاحمر سيكون الطاغي وسيتعدى كل الخطوط.