بقلم: خالد شوكات
وفي إدارة هذا التنوع اختلفت الدول إلى نوعين: دول تضمن لجميع مواطنيها على اختلاف ألوانهم حق الحياة كما يريدون ويشتهون بشرط أن لا يعمد طرف الى محاولة فرض نمط عيشه على الاخرين بالعنف، ودول أخرى تبنت نمط أحد الاطراف وعمدت إلى تنغيص حياة البقية وإجبارهم بعنف الدولة على العيش كما تريد هي لا كما يرغبون.
لماذا لا تكون تونس مريحة لجميع من يعيش على ترابها، أي لأولئك المتشبثين بحياة سلمية، أكانوا متدينين أو غير متدينين، فمن شاء ذهب الى المسجد ومن شاء ذهب الى الملهى، وليقنع كل طرف بنمط الحياة الذي اختاره طواعية بارادته، دون ان يتلبسه هاجسٌ، أن نمطه هذا صحيح لا يعتريه خطأ ومقدّس لا يمكن المساس به وعلى الجميع تقليده..
لماذا نصرّ على تحويل “سردياتنا” البشرية إلى “سلفيات” مغلقة، فترى الحداثة عندنا قد حوّلها حداثيونا الى عقائد راديكالية معادية بشراسة للتدين، لا ترى فيه سوى ارهابا وعنفا، والعكس لدى بعض المتديّنين صحيحٌ، على نحو يجعلهم يحوّلون الدين الى شكليات يكفًرون ويزندقون بها الاخرين.
ألا يمكن أن تسع تونس جميع التونسيين على اختلاف اعتقاداتهم وتوجهاتهم وفلسفاتهم الحياتية..
عشت في هولندا قرابة العشرين عاما، عرفت خلالها هولنديين مسيحيين ويهود ومسلمين وبوذيين وهندوس ومن جميع الملل والأديان والثقافات، كما عرفت ملحدين ومثليين وانسانويين وايكولوجيين ومن شتى الاشكال والأنواع..
جميعهم يملك حق تأسيس دور عبادة وجمعيات ونوادي ومنظمات وصناديق لجمع التبرعات ومدارس لتربية أبنائهم كما يشاءون حتى يكبر الأبناء فيختارون بكل حرية ما يريدون، والكل مرتاح في عيشه، يغيّره ان أراد ساعة يشاء دون ان يتدخل الآخرون في خياره، أما مرافق الدولة او البلدية فتقدم خدماتها على اساس المساواة امام القانون وقاعدة المواطنة، لا تهتم باللون أو الجنس أو الدين، وقد وجدت السيرة ذاتها في جميع الدول المتقدّمة تقريبا، أما في الدول والمجتمعات المتخلّفة مثلنا تتحوَّل الحداثة الى وحش والدين الى غول.
ليعيش الجميع في بلدهم أشقياء وتعساء، مع ان معادلة الراحة سهلة، أن يكف البشر عن التصرّف كمعصومين وأنبياء، وأن نحبّ للآخرين ما نحب لانفسنا، وأن تسع قلوبنا الاختلاف وترى فيه نعمة لا نقمة.