بين “تشاؤم الذكاء وتفاؤل الإرادة” كما يقول المفكر الإيطالي غرامشي، يضيع اليوم فكر التونسي وهو يفكّر في مقابلة فريقه الوطني لفريق فرنسا يوم الأربعاء في الرابعة مساء.
الذكاء يفرض ان نقبل بالواقع فنقول إن حظوظنا تكاد تكون شبه معدومة أمام بطل العالم ذي القوّة الهجومية الضاربة والمعنويات المرتفعة، وبعدما فرّطنا في الفوز على الفريق الأسترالي المتواضع الإمكانيات، بل وتجرّعنا منه هزيمةً لم نكن نتوقعها.
لكن الإرادة إذا ما توفّرت وجعلت الهمّة تطلب العُلى فإنها تجعل صاحبها يحقق المستحيل وينال “ما وراء العرش”.
ثم أليس نحن القائلون بعلوية الإرادة على القدر؟ اليوم الشعب يريد أن ينتصر ممثلوه في قمّة الدوحة على الفريق الفرنسي.
القدر شاء أن يضعنا أمام هذا الغول الكروي. والشعب يريد أن ينتصر أبنائه على هذا الغول. فهل يستجيب القدر؟
منذ كأس العالم في الأرجنتين سنة 1978 حيث كان أول حضور لتونس في المحفل الكروي العالمي، ونحن نحلم بتخطّي دور المجموعات والمرور الى الثمن نهائي، ناسين او متناسين أن كذا انجاز له ثمن وأن الثمن هو الانتصار على منافسين لهم نفس الطموح، وقد استعدّوا لمالاقتنا افضل مما استعدينا نحن لملاقاتهم كما بيّنت ذلك مقابلتنا مع استراليا، وأن لهم مؤطّروهم الأكفاء وإعلاميّوهم المتمكنون، ورايتهم التي يعتزون بها، ونشيدهم الرّسمي الذي يقدّرونه…
والحقيقة أنه وكأننا ننشد المرور الى المرحلة الثانية من منافسات كأس العالم دون جَهْدٍ، ولا عناءٍ، ولا تعبٍ، ولا صبرٍ، ولا مصابرةٍ. هكذا، مجّانا، أو تكرُّما.
منذ عقود خلت، في بداية الإستقلال، حينما كنّا ندرس الآداب الفرنسية على أساتذة فرنسيين كان من ثوابت البرنامج التربوي الذي يحرص عليه هؤلاء الأستاذة، تدريس مسرحية “السِّيد” Le Cid للشاعر كورناي Corneille والتي تعتمد على أحداث تاريخية تروي انتصار جيش المسيحيين على جيوش مسلمي الأندلس بفضل إقدام وشجاعة وتخطيط قائد عسكري شابّ يُدعى رودريغ Rodrigue.
ومغزى هذه المسرحية أن جرأة الشباب أفضل من حكمة الشيوخ، وهي في النهاية المنتصرة.
ومما علِق في أذهان من عاش تلك الفترة ودُرّسَ تلك المسرحية هذا البيت الشهير: “من يغلب بلا مخاطر، ينتصر بلا مجد”: “À vaincre sans péril, on tiomphe sans gloire”.
قطعًا لن تكون مهمة لاعبينا سهلةً أمام فريق فرنسا المعزز بألمع نجوم أكبر فرق كرة القدم الأوروبية. لكننا لو ننتصر فإن انتصارنا سوف يكون له معنى خاص.
سوف يكون انتصار الارادة. سوف يكون انتصار القلب.
في مسرحية كورناي يُسأل البطل هذا السؤال الدافع للثورة والتحدّي:” رودريغ، هل لك قلبٌ؟” : Rodrigue as-tu” du cœur ?” أيها اللّاعب التونسي، هل لك قلب؟