بقلم مصطفى عطية
لم تكن العملية الإرهابية الدنيئة والجبانة التي شهدتها جزيرة جربة أخيرا هي الأولى ذات خلفية إختراقية، فقد تعددت مثل هذه العمليات خلال عشرية الجمر، التي تولى فيها السلطة العديد من دعاة الإرهاب ومنظريه وداعميه ومنفذيه، الذين ألغوا جهاز أمن الدولة وأعادوا رسكلة من تلطخت أيديهم بدماء التونسيين، وفتحوا الحدود أمام الهاربين من العدالة في أوطانهم، وحولوا العديد من المنابر الإعلامية إلى فضاءات لتبييض الإرهاب وتبريره بدعوى حرية التعبير، وكأن الإرهاب فكر يجب مقارعة ممارسيه، أو هو سياسة يجب إستيعابها في المنظومة الديمقراطية.
كيف ل”ثورة”، قيل انها قامت من اجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، ان تمكن الإرهابيين من الإرتقاء إلى اعلى درجات الحكم ؟
الإجابة عن هذا السؤال هي التي تحدد طبيعة وخلفية ما سمي ب” الثورة”، التي إندلعت في البلاد يوم الرابع عشر من جانفي 2011.
ففي الثاني من شهر اوت سنة 1986 تولت مجموعة من الإرهابيين التابعين لتنظيم إسلاموي تفجير ثلاثة نزل سياحية في مدينة سوسة والمنستير مما تسبب في سقوط ضحايا ابرياء من تونس وبعض البلدان الأجنبية.
بعد خمس وعشرين سنة تبوا بعض المورطين في تلك التفجيرات الإرهابية مناصب عليا في الدولة وأصبحوا من رموز السلطة الحاكمة، كما حصد تنظيمهم، الذي اصبح حزبا سياسيا، احسن النتائج في ثلاث إنتخابات تشريعية وحكم البلاد، وحده او بتحالف مع ذيوله، عشرية كاملة من الزمن.هذه الحالة تطرح ثلاثة أسئلة محورية :
1- هل ان ما حدث في تونس ” ثورة ” فعلا من اجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية؟ إن كان الامر كذلك كيف للحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية ان تينع من مرجعية إرهابية؟
2- كيف رضي الشعب التونسي بأن يحكمه من تورط في الإرهاب وقتل ابناءه وابناء ضيوفه من الأجانب الأبرياء طيلة عشرية كاملة؟3- بماذا نفسر ان البلدان الأجنبية التي ذهب مواطنوها ضحية العمليات الإرهابية في تونس، وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، هي اكثر البلدان دعما للتنظيمات الإرهابية وأشدها مطالبة بعودتها إلى الحكم ؟.
وفي انتظار الإجابة عن هذه الأجوبة يبقى ما حدث في تونس لغزا لم يكشف بعد .ليس الإرهابي هو ،فقط، ذاك الذي يفجر ويقتل و يحرق،و إنما هو أيضا، وبالأساس، ذاك الذي يحرض ويبرر ويبيض ويستنبط الأعذار والذرائع.
ومن هذا المنظور عليكم أن تتخيلوا عدد الإرهاليين في أحزابنا وإعلامنا ومدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وجمعياتنا واتحاداتنا وحتى في بعض مؤسساتنا السيادية، كما بإمكانكم أن تدركوا ،والحال تلك حقيقة التعطيل في محاربة الإرهاب والغفلة في مراقبة المشبوهين وتحييدهم.