بقلم مطفى عطية
عندما أطل المناضل النقابي الكبير المرحوم الحبيب عاشور من شرفة المقر الرئيسي للإتحاد العام التونسي للشغل على الجماهير المحتشدة في ساحة محمد علي ، ذات يوم غائم من أيام شهر جانفي 1978 وأطلق قولته المرعبة وهو في حالة إنفعال شديد : ” تونس ستحترق “! أمر الرئيس الحبيب بورقيبة بإيقافه فورا .
وبالرغم من اعتذاره لاحقا فإن بورقيبة أصر ، إصرارا شديدا ، على تنفيذ أمر إيقافه. حاول بعض المقربين منه وخاصة زوجته وسيلة إقناعة بضرورة التراجع عن قراره لتجنيب البلاد مخاطر الصدامات الدامية ، فرفض كل المقترحات رفضا مطلقا ، مذكرا بان هيبة الدولة فوق الجميع حتى وإن أدى الحرص على صيانتها إلى حدوث خسائر جانبية ، لأن خسارة الدولة لهيبتها ونفوذها أخطر من كل الخسائر الممكنة.
وفي خطاب له قال بورقيبة أن الحبيب عاشور هو رفيقه في النضال ، وكان له الفضل في تعبئة الجماهير وخاصة النقابيين لنصرته في أغلب المعارك التي خاضها ضد خصومه السياسيين ، ولكن عندما توضع هيبة الدولة في ميزان التحدي فإن مسؤوليته تحتم عليه حمايتها مهما كان الثمن.
وأتذكر أن عبد الرزاق الكافي ، وكان في مطلع الثمانينات مديرا عاما للإذاعة والتلفزة ، إستغل غضب بورقيبة على وزير الإعلام الطاهر بلخوجة وتعمد تجاوزه والتمرد على أوامره بأن سافر إلى الخارج دون إستشارته فما كان من الرئيس ، وقد بلغه ما أتاه عبد الرزاق الكافي ، إلا أن تدخل بحزم لردعه رغم أنه كان يعد لإقالة بلخوجة ويفكر في تعويضه بالكافي مما عطل العملية مدة ليست بالقصيرة قبل تنفيذها ، وفسر بورقيبة للمقربين منه بأن تجاوز المرؤوس لرئيسه في أجهزة الدولة ، حتى وإن كان على حق ، هو ضرب من ضروب التمرد وٱنتهاك صارخ وغير مبرر لهيبة الدولة ، أما اليوم فقد تغير كل شيء تماما ، فبٱسم الحرية المزيفة تقترف أشنع الآثام ضد هيبة الدولة ويتم تمريغ الدولة ورموزها في أوحال الإهانات ويجرؤ المجرمون والإرهابيون وجميع الخارجين عن القانون على تهديد الدولة من منابر إعلام الإثارة وبث الفوضى والتحريض ، ويجد الكثير ممن يوصفون ، كذبا وبهتانا، ب : ” السياسيين ” ما يستلزم من قلة الحياء ليشوهوا بعضهم البعض بمصطلحات مأخوذة من قواميس السوقية والوضاعة.