بقلم أحمد الحمروني
أعترف بأنّي من التونسيين القليل.ين الذين لا تعنيهم كرة القدم الشيء الكثير، ولا حتّى القليل، ولكنّي عندما يتعلّق الأمر بعلم تونس أنقلب إلى أكثر المغرومين هوسا بشعور فيه كثير من الوطنيّة وكثير من القداسة حتّى أرى قلبي منطلقا من صدري، متابعا الكرة بشوق الانتصار وفي توتّر شديد ورعشة مفرطة كالعذاب الطويل طول المقابلة حتّى لا أشبّه حالتي بالنبيّ إذ يثقل عليه الوحي كصلصلة الجبل فيستنجد بخديجة أنّ “زمّليني دثّريني” وإنّما أكتفى بتشبيه نفسي بالطاهر بن جلّون مع منتخب المغرب ولا يعنيني إلاّ تشريف بلدي حتّى ولو كان بهزيمة فريق من دولة دينها الإسلام ولغتها العربيّة من الأجوار والأشقّاء.
إنّها الحرب، شئنا أم أبينا، وبروح القبائل العربيّة منذ الجاهليّة سواء إذا تقاتلت فيما بينها أو إذا تحالفت ضدّ عدوّها كبكر وتغلب في العداوة بينهما ثمّ في الاتّحاد بينهما للانتصار على الفرس كخطر داهم دائم.
فإذا تنافس فريقان محلّيان في مستوى “الدربي” أو “الكلاسيكو” فلا اهتمّ بالفرجة وإنّما أرجو الفوز لمن يستحقّ وأكره شبهة الرشوة وسوء التحكيم.
فما الذي أصابني في هذا الأحد 28 ماي 2023؟
إنّها مقابلة الكأس الحاسمة والمصيريّة بفريق كبير متمتّع بالمال الوفير والدعم الكثير وبين فريق يعيش بالقليل في حدود إمكانيّات الشمال الغربي الذي تتلوّن معاناته بألوان الفصول.
وإنّه حقّي، مع حبّ تونس كلّها، في أن أحبّ جهتي كما يحبّ كلّ تونسيّ فريقه وجهته من دون خدش وطنيّته.
وأغرب من ذلك أنّنا تحت سقف واحد بأمنيتين متقابلتين، ولدي يحبّ “المكشّخة” بكامل جوارحه، وأنا أحبّ باجة بكامل عقلي، ومن غير بغضاء أو ظغينة.
ما كنت قادرا على الصبر والتحمّل كامل الوقت ولكنّي تابعت الدقائق الإضافيّة الخطيرة على الفريقين، ورجوت للمنتصر النهائي أن لا يكون هدفه نتيجة خطإ المنافس في منطقة الجزاء، بل أن يكون هدفه تتويجا لعمليّة محكمة، ذات جهد وفنّ بمعنى التكتيك، لا غبار عليها، تسرّ الناظرين.
وكان التتويج للأولمبي الباجي باستحقاق لا ريب فيه جزاء إصرار دون فتور وإعداد طويل مرير. فهنيئا لكامل الجهة، مع تقدير “الترجّي” لعدم الاستسلام إلى آخر ثانية رغم الخسارة.
وشكرا لهما معا على متعة الفرجة وقوّة التشويق ودوام الاستماتة دون وهن أو تسليم سواء من جهة المتقدّم بهدف أو من جهة المتأخّر بصفر والمجتهد لتغيير النتيجة، إنّها فعلا مقابلة شيّقة ولو أنّها غير مريحة للأعصاب.
والمستفيد، مهما كان الرابح والخاسر، هو الرياضة التونسيّة في مستوياتها الوطنيّة والجهويّة. فالفرق الكبيرة تنتدب لاعبيها من الفرق الصغيرة ، ولا مستقبل للأولى إلاّ بوجود الثانية. ومن قانون اللعبة أنّ الصغيرة تكوّن اللاّعب فإذا تألّق أخذته منها الكبيرة جاهزا حتّى للتسجيل لصالح فريقه الجديد ضدّ الفريق الذي ترعرع فيه سابقا.
وهكذا تخسر الفرق الجهويّة نجومها وتضطرّ إلى تكرار التكوين ابتداء من الصفر. فكيف لها أن تواجه الفريق الأقوى منها بعد أن استقوى بأحسن اللاّعبين؟
هكذا تتنافس فرق على الكأس والبطولة في حين تتصارع فرق دونها على البقاء محاذرة السقوط من قسم إلى قسم.
فإذا اكتمل العمل بالحظّ حتّى وصل فريق من الآفاق إلى مقابلة نهائيّة وجب على كلّ تونسيّ وطنيّ عاقل أن يكبح جماح العاطفة من جانب فريقه المحبوب وينتصر لمستقبل الرياضة، وبالأخصّ كرة القدم، فلا يحسد فريقا في فرحة وحيدة نادرا ما يجود بها القرن، ولا يأسف لفريقه الذي إن خسر مباراة فقد فاز بعديد الكؤوس والبطولات.
وعسى أن تجمعنا كرة القدم، والرياضة عموما، بدل أن تزيدنا تفرقة وجهويّات. وبعد فرحة هذا وحزن ذاك يرتفع من جديد نداء الوطن للعمل.
فهو وحده الحلّ.