لا شك ان تظهارة أيام فاغا vaga- وهو الإسم الرماني لمدينة باجة- العربية للمسرح التي اختتمت في نهاية الأسبوع الماضي، تستحق الإشادة والتّنويه.
ولا شك كذلك ان هذه “الأيام…” تستحق الوقوف عندها والإجابة عن ما تطرحه من تساؤلات عديدة، بعضها متعلق بجهة باجة نفسها، وبعضها الآخر يهمّ الحركة المسرحية عموما.
نجاح وتساؤلات
لنعترف أولا أن منظمي هذه التظاهرة بذلوا جهودا كبيرة واحيانا مضنية لإنجاح هذه التظاهرة التي كانت تبدو بوضوح فوق طاقة الجهة.
فاستقبال سبعة فرق عربية ليس بالأمر الهيّن ويحتاج إمكانيات تنظيمية و لوجستية وهياكل اتصال وترويج في مستوى طموح تظاهرة تُنشد الإشعاع العربي.
كل هذه المتطلبات لم تكن متوفرة.
لكن ارادة النجاح والتعلق الخرافي المعروف لأهل باجة بالفن المسرحي مكّن من تذليل الصعاب وسمح للمنظمين يقودهم مدير “الأيام” صفوان الكشباطي، بإنجاز الدورة العاشرة من ايام فاغا العربية للمسرح بنجاح.
ولكن، والتظاهرة دخلت طي التاريخ، أكثر من سؤال يتردد وعلى الإجابة يتوقف مستقبل هذه “الايام” وتواصلها وتجددها.
ومن هذه الأسئلة:كيف يمكن تحديد موقع “أيام فاغا العربية للمسرح” ضمن خارطة التظاهرات المسرحية التي تحضنها البلاد، وما هي بالضبط اختياراتها واهدافها الفنية في علاقتها بالتظاهرات المسرحية الأخرى في البلاد، وما هو مردودها جهويا ووطنيا وعربيا، وما هو تأثيرها في الساحة المسرحية، وما هي خطّة تطويرها والتقدم بها من دورة الى أخرى؟
كلها أسئلة تبدو مشروعة وتفرض نفسها بالنظر الى ما تعرضه هذه الأيام من طموحات على الورق، وما يتطلع إليه جمهور باجة المسرحي الذي يجب الإقرار بأنه لم يحقق ما يستحقه الفن الرابع في هذه المدينة العتيقة من نقلة نوعية نحو بناء مسرح محترف ناضلت من أجله أجيال من المسرحيين الموهوبين المولعين لعلّ أبرز من يمثلهم اليوم هو أحمد الكشباطي الذي حملت هذه الدورة العاشرة من “ايام فاغا” اسمه.
احمد الكشباطي رمز جيل ألموهبة و الولع
أحمد الكشباطي
مَن مِن احباء المسرح لا يعرف احمد الكشباطي، هذا الثمانيني الشاب على الدوام، والذي اقترن اسمه بفرقة الحبيب الحداد سنين طويلة، لعب خلالها أدوار البطولة في مسرحيات أسهم في كتابتها واخراجها، وكان اهم دور يلعبه دائما هو ضمان الجودة والاكتمال لكل عمل تقدّمه الفرقة التي بقيت الى اليوم فرقة هواة، ما يجعل منها مصدر فخر لمدينة باجة، وفي نفس الوقت سبب تعطيل منعَ الحركة المسرحية من الانتقال إلى مستوى احترافي أعلى. هذا موضوع يستحق التفكير والحسم حتى لا تبقى باجة التي تعج بالكفاءات الهاوية الأبدية.
“كل فول لاهي في نوارو”، جزيرة النحاس”، “مسافر زاده الخيال”، “باب الحمار والثور”…كل هذه الاعمال التي علقت بالذاكرة اقترنت باسم احمد الكشباطي الذي كان ويبقى أحد الأكثر موهبة بين أبناء جيله المسرحيين بفضل حضوره الملفت على الركح، وقدرته الكبيرة على الإقناع، وتذوّقه للكلمة العربية، وامتلاكه لطائفة من التعابير ينتقل بين مسافاتها بسهولة عجيبة. الكشباطي وهب عمره للمسرح ولا يحلو له تنفس هواء أكثر من هواء اركاح المسرح. إنك تحسبه لم يوجد الاّ للمسرح. وهو جدير بأكثر من تكريم، ولقد أصابت السلطات في باجة حين مكّنته من فضاء مسرح الجيب الذي يديره اليوم جامعا فيه بين ذاكرة مدينته وشغف أهلها بالمسرح.
محمد مومن وجوهرية النقد
وبالعودة الى أيام فاغا العربية للمسرح فلقد شكلت المحاضرة التي قدمها الأستاذ محمد مومن لحظة هامة ضمن برنامج التظاهرة حيث طرح المحاضر جملة من الملاحظات و التساؤلات حول العملية النقدية للعمل المسرحي في بلادنا متوقفا عند عدد من نقاط سوء التفاهم المتواصل بين “الخلق” المسرحي والعملية النقدية اللّذين يجب ان يتكاملا وان تتوازن شواغلهما ضمن هدف موحّد هو النهوض المستمرّ و المتصل بالابداع المسرحي.
ولقد أكد الأستاذ مومن عن تطابق الخلق المسرحي مع الإنتاج النقدي وتوافقهما فلا المسرح يسبق النقد ولا النقد يتوقف عليه في وجوده ومعناه، وذهب الناقد هنا الى حدّ اعتبار العملية النقدية سابقة للعملية المسرحية التي تحدد شرعيتها وتحقق شرط وجودها، لأن اي عملية خلق وإبداع لا يمكن ان تكون خارج زمانها ومكانها اللّذين يضبطهما النقد باعتباره ممسكا بأدوات التحليل والفهم، والموفّر للرؤية الابداعية، والواضع لسياقاتها.
وشدد المحاضر على ضرورة أن تتوفر الأطر المناسبة لممارسة نقد ذي قيمة ومستوى يحتاجه المسرح التونسي، بنأي عن كل انطباعية سهلة أو إسقاط آلي لشباكات قراءة جاهزه مسبقا، داعيا الى ضرورة العودة بالنقد الى مكانه- ومكانته- الجوهرية الأولى منذ الإغريق القدامى بصفته بيداغوجية جماهيرية تاخذ بين واجب المعرفة وضرورة الشغف، لأن النقد الجاد ينتج جمهورا جيدا.
جوائز الدورة العاشرة
جائزة افضل عمل متكامل”جدب”-الجزائر
-جائزة أفضل نص: “الأيام السبعة” فرقة مسرح الاخضر بنغازي-ليبيا-
-جائزة أفضل اخراج: “العاصفة” مجموعة موزاييك -سلطنة عمان-
-جائزة أفضل سينوغرافيا: “نهاية طريق” مسرح الشباب بغداد -العراق
-جائزة الروح الجماعية “القيد”-مصر
-جائزة أفضل أداء ذكور: كمال شوشان -تونس
-جائزة أفضل أداء إناث: أمال بن زمور -الجزائر
-جائزة ثاني أفضل أداء ذكور مناصفة:
-فريد غالي الجزائر
-مراد العرفي ليبيا.
جلال بن مسعود