بقلم أوس بن يوسف
يتفق عديد المطّلعين على السياسة الأمريكية أن إدارة جو بايدن قد أصبحت قلقه من واقع الحرب التي تشنها اسرائيل على قطاع غزّه، ويبدو انها وجهت، عبر قنوات مختلفة، رسائل الى الحكومة الإسرائيلية ضمّنتها تحذيرات اهمها اثنان:
أولهما أنها لا تستطيع مواصلة تحمل الضّغط الداخلي المتزايد الذي أصبحت تفرضه المظاهرات والمسيرات الشعبية المناهضة لإسرائيل والمساندة للشعب الفلسطيني، والمنددة في نفس الوقت بالدعم الامريكي اللّامحدود للكيان الصهيوني.
وقد زادت من هذا الضغط مشاهد المجازر المروّعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي وحجم التقتيل والتدمير الذي أحدثه القصف المتواصل على غزة بكمّ غير مسبوق من الصواريخ والمتفجرات تجاوز مفعوله مفعول القنبلة الذرية التي ضرب بها الجيش الامريكي هيروشيما يوم 6 اوت1945.
وثانيهما انها أصبحت تشعر بثقل الانتقادات التي يسببها لدى الرأي العام الأمريكي الانحياز اللامشروط لإسرائيل والتي عبر عنها الرئيس بادين غداة عملية طوفان الأقصى بأن “إسرائيل لو لم تُوجد لأوجدناها”.
ويستند هذا الانحياز الى الاعتقاد السائد في دوائر القرار الأمريكي أن اسرائيل “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” تمثل الضمانة الأكثر وثوقا لتحقيق المصالح الأمريكية وتواصلها في منطقة ذات أهمية كبرى اقتصاديا وجيو-أستراتيجيا.
واعتمادا على هذا الاعتقاد التي حولته المصالح الانتخابية الى مبدإ ثابت في العمل السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، خصصت الإدارة الأمريكية دعما ماليا كبيرا لم ينقطع منذ الإعلان عن تأسيس دولة اسرائيل، بلغت جملته317 مليار دولار خلال 76 سنة، أي بمعدل سنوي يصل 4،17 مليار دولار.
هذه الأموال الطائلة التي يدفعها المواطنون الأمريكيون أصبحت قضية رأي عام، وقد شاهد العالم صور الغضب و الرّفض الذي عبّر عنه عدد من المواطنين الامريكيين حضروا مسائلة وفد من الكونغرس لوزير الخارجية أنطوني بلنكن لدى مناقشة طلب ال14 مليار دولار التي قُدّمت لإسرائيل دعما لها في حربها الحالية ضد حماس.
الرأي العام بما فيه في الغرب الأوروبي الحامل ذنب محرقة اليهود، بدأ يتحوّل رغم التعتيم والترهيب المفروض على أصحاب الرأى المخالف والموقف المساند لفلسطين. أمريكيا التي عاشت تجربة الفياتنام والعراق لم تنس.
الإدارة اليوم بدأت تعيش وضعا محرجا و بدأت تشعر بقلق متقاعد، وهو ما دفعها لإمهال حكومة نتنياهو حتى نهاية الأسبوع، فاما ان تحسم اسرائيل الموقف وهذا يبدو أمرا صعبا أمام الصمود الكبير الذي يبديه مقاتلو حماس، وإما فإن الدعم الامريكي اللامحدود سيتوقف.
وخلاصة القول إن شعب غزة، وإن كانت تضحيته باهضة، فإنه نجح وحده في قلب الموازين في العالم كلّه.