بقلم عبد الجليل المسعودي
كان موعودا، حسب معلقاته وإعلاناته ان يكون “مواسم إبداع” المسرح التونسي.
لكنه لم يكن في النهاية غير تظاهرة متواضعة لم تتجاوز عموما مستوى مهرجان هوّاة.
وذلك رغم ما خصص له من إمكانيات مالية ولوجستية كبيرة بفضل دعم جمعية عبد الوهاب بن عياد المالي، وكذلك مؤسسة ميكروكراد.
*****
الهدف من المهرجان الوطني للمسرح التونسي ( الذي انتظم من7 الى 15نوفمبر) هو “إحياء ذاكرة أسبوع المسرح التونسي سابقا” والذي توقّف سنة 1982 ليقع تعويضة ب”أيام قرطاج المسرحية”.
الفكرة كانت للمنصف السويسي العائد من الخليج بطلب من وزير الثقافة آنذاك بشير بن سلامة، في موازاة ل”أيام قرطاج السينمائية” واستنادا الى خيارها الفكري المتمثل في الانفتاح على التجارب العربية والافريقية.
غير أن “أيام قرطاج المسرحية” لم تقدّم الى اليوم الاضافة المرجوة لاسباب ثلاثة رئيسية. أولها، ضعف مستوى المسرح في البلاد العربية، وثانيها، حاجز اللغة بالنسبة للمشاركين غير العرب، وثالثها عدم التوفيق في اختيار الأعمال الأجنبية القادرة على تحقيق الفائدة المنتظرة.
أسبوع المسرح التونسي الذي تأسس سنة 1964 شكّل لسنوات طويلة حدثا ثقافيا وطنيا ناجحا بمقياس الإقبال الجماهيري أولا، وبمستوى الأعمال المشاركة التي كانت تمثّل حصاد سنة من نشاط الفرق المحترفة ونصف المحترفة والهاوية على المستوى الوطني ثانيا، وبالصدى الوطني الواسع الذي كان يلقاه والمتابعة الكبيرة في وسائل الإعلام باعتباره حدثا رسميا تتولى الدولة(ممثلة في وزارة الثقافة) الاضطلاع بمسؤولية تنظيمه والاشراف المباشر عليه، ثالثا.
والسؤال هو: هل المسرح الوطني مؤهل لتنظيم تظاهرة بحجم، وخاصة بطموح، أسبوع المسرح السابق؟
السؤال تفرضه هنا حقائق ووقائع ميّزت مهرجان المسرح التونسي الوطني، وهي:
•تناقص الجمهور الذي لم يتجاوز المئات بينما كان يتجاوز الآلاف في أسبوع المسرح في سبعينات القرن الماضي.
•غياب فرق الجهات التي عوضتها شركات انتاج خاصة ممولة من طرف الوزارة، وهي طبعا مفارقة تطرح هي ذاتها مسألة تنظيم القطاع المسرحي عموما من داخله وفي علاقته بسلطة الاشراف.
•تكرار المواضيع المطروحة في الأعمال المقدمة وتشابه طرق معالجتها، حتى كانك تشاهد تنويعات على فكرة واحدة.
*****
اذا كان المسرح انطباعا عاما يرسخ قليلا أو كثيرا في الذاكرة الداخلية للمتفرج، فإن ما حصل من المهرجان الوطني لم يترك غير احساس عابر بأننا حضرنا مرة أخرى مهرجانا لم يكن مختلفا عما يقدمه كمّ المهرجانات المخصصة للمسرح، المنتظمة هنا وهناك بوتيرة لا تكاد تنقطع.
مع الفارق هذه المرة اننا حضرنا تظاهرة لأبناء القطاع فيما بينهم جاؤوا ليعوضوا غياب الجماهير المسرحية وليصفق كل فريق لفريقه ويشجّعه.
رأينا بعض المواهب والطاقات التي برزت في مشهد أو موقف أو خطاب. كانت هناك كذلك، من حيث الأعمال المقدمة، بعض الافكار، والرسومات، والمشاريع، لكنها لم تتجاوز النيّة وبقي أكثرها او كلها عند حدّ المسودّة.
والسؤال الآن: أي توجّه، أي مشروع مسرحي وطني يكرّسه هذا المهرجان؟
الواضح أن ليس هناك مشروع، لأن المسؤول على المشاريع الثقافية لا يمكن ان يكون غيرالدولة(الوزارة) وليس المسرح الوطني الذي يبقى في النهاية مؤسسة مثل مؤسسات أخرى عديدة، وإن بالغ بعض مديريها السابقين في تضخيم هيكله.
وجمعوا بين مسؤولية التكوين والإنتاج والتوزيع لاشباع رغبة عظمة ما زلنا ننتظر آثارها على واقع المسرح في البلاد انتاجا ذا قيمة، وكسبا للجماهير، وانفتاحا على مسارح العالم.
*****
ليس هدفنا التقليل من أهمية هذا المهرجان، فوجوده أفضل من عدم وجوده، ثم انه أشعل حب المسرح، و أسهم في تنشّيط المدينة، وجمع شبابا حول اهتمامات ثقافية هامة…
لكن ذلك لا يكفي بل ولا يستقيم ما لم يقع تحديد الخيارات وتوضيح الأهداف، وهذا، رغم كل الشعارات الرنانة المعلنة والمرددة، لم يتمّ في هذه الدورة التي ارادها منظموها دورة تاسيسية، بما يفترض أن تكون للكلمة من معنى القطع والتجديد.
لم نر تجسيما لأي من المعنييْن بل شهدنا تواصلا لما هو سائد ومعهود.
والسؤال يصبح عندئذ: على أية أساس أسندت الجوائز، ما هي المبادىء التي وقع تحديدها والتي أدت الى خيار هذا العمل دون ذاك؟
اذا لم نجب عن هذا السؤال فلن تكون لنا إمكانية فهم الجوائز المسندة ولا تثمين قيمة الأعمال الفائزة، ولا أيضا القدرة على تبيّن ما اذا سوف يكون لهذا المهرجان او لغيره القدرة على إفادة الفن المسرحي وتحفيزه على التطّور والتقدم، وتبقى الأمور تدور في نفس الحلقة يحكمها الارتجال وتتحكم فيها الانطباعات الشخصية والعلاقات الخاصة، ما يُبقي المسرح في بلادنا موسوما بالهواية وعدم النضج.
شيئان اثنان يؤكدان شعورنا هذا إزاء هذا المهرجان. أولهما الغياب الكامل لكبار المسرحيين أصحاب التجربة المثبتة بمن فيهم من تولّوا مسؤولية المسرح الوطني.
لم يحضر هؤلاء ولم يشاركوا وكأنهم ليعبروا عن عدم اقتناعهم، أو ربما عن ازدرائهم لمثل هذه المهرجانات.
ثانيهما، عدم مكافأة مسرحية “ما يراوش” لمحمد منير العرقي والتي تمثل في نظرنا العمل الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر اكتمالا شكلا ومضمونا، علاوة على ما تميز به من ابتكار، ما يؤكد ان قواعد اللعبة غير واضحة بل إنه لم يتم وضعها.
وتبقى النقطة الإيجابية الاهم في المهرجان ادراك أصحاب المال والمؤسسات الخاصة لدورهم الأساسي في الاسهام في النهوض بالفنون الحية بما يضمن حياة ثقافية وطنية متطورة.
الصور لليليا بن عاشور