بقلم عبد الجليل المسعودي
قد تعود الحرب بعد الهدنة الحالية، وقد تطول، وقد تتواصل في شكل هدنات تقطعها هجمات ومواجهات ومزيد من التقتيل والتدمير. كل شيء وارد.
لكن ما هو مؤكّد ان “طوفان الأقصى” كشف الحقائق وقلب كل الموازين في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مع تسجيله لأكبر انتصار تحققه المقاومة منذ نكبة 1948.
أول هذه الحقائق التي انكشفت هي ان الأرض الفلسطينية لن يدافع عنها غير الفلسطينيين ولن يموت من أجلها الا الفلسطينيون. ومن كان يراهن على غير أهل القضية فقد كان واهما. وحدة “الصف العربي” الذي كنا نعتقد به لم يكن الاّ كذبة. وحدة “ساحات القتال” التي كنا نظنها مبدأً راسخا كان كذبة، وحدة المصالح، وحدة المصائر، وحدة التاريخ، وحدة الجغرافيا…كل ذلك لم يكن غير قصور من رمل حطمها طوفان الأقصى منذ اليوم الأول. اليوم لم يبق من الأمة العربية غير المبنى بشارع التحرير بالقاهرة.
ثاني هذه الحقائق ان لا قوة أقوى من قوة الإيمان المستند الى الحق، وان القوة العسكرية الرهيبة التي بين يد جيش الاحتلال الاسرائيلي لن تنتصر مهما تعاظمت بفضل الدعم الاّ مشروط والا محدود من الدول الغربية التي تحاول التنصّل من مسؤوليتها التاريخية عن الهولوكوست ضد اليهود فتتورّط في هولوكوست جديد ضد الفلسطينيين. القوة العسكرية العمياء والاستهداف العشوائي للمدنيين، إضافة إلى كونه يمثل جرائم تنتهك كل القوانين والاتفاقيات، لن يُجد نفعا، وفي الأخير ينتصر صاحب الحق، ينتصر الفلسطينيون.
ثالث هذه الحقائق ان البروباغندا والتعتيم والتظليل الإعلامي، لأِن أفادت في الماضي، فإنها لم تَعُد تُجدي نفعا. لقد انقلب السحر على الساحر. اليوم يخرج الناس بمئات الآلاف في الشوارع، ليس فقط في مدن جنوب العالم، ولكن في عواصم البلدان الغربية ذاتها، ليقولوا رفضهم لجرائم حكومة اسرائيل وليطالبوا بمساءلة حكوماتهم ولينتصروا للفلسطينيين. لقد غيّر أهل غزة نظرة العالم الى قضيتهم ونجحوا بتضحياتهم الكبيرة حيث فشل كل العرب مجتمعين في جامعتهم وبإمكانياتهم الهائلة.
الى جانب هذه الحقائق هناك معجزات ثلاث تمت لا بد من الوقوف عندها.
أول هذه المعجزات هو حدث 7 أكتوبر في حدّ ذاته الذي اطاح بأساطير عديدة في بضع ساعات، أهمها أسطورة الموساد الذي “يعلم كل شيء”، لا تغيب عنه لا شاردة ولا واردة، والتساهال(الجيش الإسرائيلي) الذي لا يُقهر.
ثاني هذه المعجزات صمود شعب محاصر أعزل تحت وابل لا يتوقف ليلا ولا نهارا من القنابل والقذائف جوّا وبرا وبحرا. خمسون يوما من التقتيل ومن التهديم والتجويع… ولم ينهار ولم يستسلم، بل صبر وصابر واستبسل في مواجهة البربرية وتحدى اختلال توازن القوى الرهيب وسفّه القاعدين والقانطين وأعاد المسألة الفلسطينية الى مركز اهتمام العالم.
المعجزة الأخيرة أن فلسطيني غزة أسقطوا اعدائهم ومناوئيهم شرقا وغربا، عربا وعجَما، في تناقضهم وإجبروهم على القبول بأن لا حلّ ولا سلام الاّ بهم ومعهم. لأنهم هم أصحاب القضية وهم وحدهم من يقبلون الموت من أجل أرضهم.