بقلم عبد الجليل المسعودي
في هذه الحرب القذرة التي تشنها اسرائيل على الفلسطينيين في غزة كانت بلادنا حاضرة.
ليس بجيشها، ولا بسلاحها، ولا بخبرائها العسكريين.
بلادنا كانت حاضرة بأكثر من ذلك. كانت حاضرة في الضمائر والعقول بثقافتها العريقة، بما تحمل الثقافة من اسهام حضاري، من استمرار للفكر الانساني، من رؤية غيّرت- وما تزال تغيّر- مجرى التاريخ.
بلادنا كانت حاضرة مرة أولى في خطاب قادة اسرائيل الذين استوحوا من سيرة قائد قرطاج الاستراتيجي اللامع الجنرال حنبعل بركا عقيدته العسكرية القصوى المتمثلة في قتل الأسرى لمنع حماس من أن تأخذهم رهائن وتساوم بهم.
حنبعل
الجيش الإسرائيلي يسميها “أمر حنبعل” (نوهال حنبعل” في اللغة العبريّة) ويتمثل هذا البروتوكول العسكري السرّي في رفض أية تفاوض مع من يسمونهم ارهابيين خصوصا عند احتجازهم لرهائن اسرائيليين.
وقد اعرب نوف ايراج الملازم العقيد في سلاح الجو عن يقينه ان الجيش الاسرائيلي طبّق يوم 7 اكتوبر “أمر حنبعل” وقتل من سمّاهم إرهابيي حماس وذلك لمنع سقوط مدنيين اسرائيليين رهائن واقتيادهم الى غزة.
وقد نتج عن الهجوم الذي قامت به طائرات مروحية قتل عديد الاسرائيليين بين رجال أمن ومدنييين حسب ما نشرته صحيفة هاريتس.
مقابل هذا الأثر الثقافي لنظرية الجنرال القرطاجني حنبعل بركا التي يتبنّاها الجيش الإسرائيلي ويطبّقها بنتائج تتراوح بين النجاح والفشل، يلجأ الفلسطينيون من جانبها و في صراعهم الوجودي الى تونسي آخر خبِر الأيام وواجه المحن، واستخرج لشعوب العالم المضطهدين من قلبه ووجدانه شعلةً من ضياء تقودهم من ظلمات القهر والتسلط الى أنوار الحرية والانعتاق.
إنه شاعر إرادة الحياة ابو القاسم الشابي الذي لم يغب صوته عن السجينة اسراء جعابيص فبادرت وهي تستعيد حريتها بعد إطلاق سراها:”ولا بدّ لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر”.
الى حنبعل والشابي كان يمكن إضافة شخص ثالث لو تمّ سماعه والأخذ بفكره المتعقّل ورأيه الثاقب الذي عبّر عنه في خطابه التاريخي يوم 3 مارس 1965 في مدينة أريحا، لكان الوضع غير الوضع اليوم.
إنه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة صاحب نظرية “خذ وطالب”.
لم يكن الفكر السياسي العربي وقتئذ ناضجا بما يكفي لتقبل اطروحة بورقيبة الذي يبقى الحاضر الغائب في معركة فلسطين، في حين يبقى ابو القاسم الشابي الملهم الذي كتب اسم تونس في كل وعي حرّ في هذا العالم:”اذا الشعب يوما أراد الحياةفلا بد أن يستجيب القدر”.
وخلاصة القول:الشعوب بثقافاتها وليس بجيوشها ولا بثرواتها الطبيعية.
تلك دائمة وما تبقى زائل لا محالة.