بقلم عبد الجليل المسعودي
سبعون يوما تمرّ على بدء الحرب على غزة.
“حدَثٌ وحشٌ” على حدّ تعبير احد كبار المؤرخين( un événement monstre) غيّر، وسيزال يغيّر، الواقع في فلسطين والمنطقة، بل و في العالم، كما سيُعيد صياغة مفاهيمَ ودلالاتٍ كنّا نعتبرها من المسلّمات.
منذ الساعات الأولى من عملية “طوفان الأقصى”، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية “أننا (الإسرائيليين) في حرب”.
لم تُثِر عبارة “الحرب ” أية استغراب ولا اعتراض من أي جهة في الغرب “المتحضّر”، ولم يتساءل أحد عندهم عمّا اذا كانت عبارة “الحرب” تستقيم في وضع الحال الذي يتواجه فيه جيش من أعتى جيوش العالم مدججا بأخطر الأسلحة وأكثرها تطورا وفتكا، ضد مجموعة مقاتلين ليس لهم غير أسلحة تقليدية أو صنعوها بأيديهم، وبعض الصواريخ والدرونات البسيطة التي يتمّ اقتناؤها من الأسواق التجارية، فلا يمتلكون مثل عدوّهم قوةً جويّة، ولا دباباتٍ، ولا سُفنا حربية، ولا قبّة حديدية، ولا تدعمهم الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي بالمال والعتاد.
كيف يستقيم إذن ان نسمي تلك حربا؟ الجواب بسيط: لأنه يجب النّفخ في صورة هؤلاء المقاتلين الفلسطينيين وإظهارهم في مظهر جيش مكتمل العناصر قادر على خوض حرب أمام أكبر الجيوش.
لماذا؟ لأنه رغم كل عدم التكافؤ والمعادلة بين القوّتين على الميدان، فإن اسرائيل لم تحقق الى اليوم السبعين هدفها في القضاء على حماس، هدفها المعلن الذي تساندها فيه كبرى الدول الغربية وعلى رأسها أمريكيا، ولم تنتصر، لذا كان لا بدّ من أن تُغطي على عجزها و فشلها بتضخّيم حجم مقاوِمها الفلسطيني.
والحقيقة فإن هذه الحرب الرهيبة التي تشنّها قوات الاحتلال الاسرائيلي على شعب أعزل، تقتّل أبناءه ونساءه، وتهدم بيوته ومرافقه، لإن لا يبدو لنهايتها ومآلاتها أفق قريب، فإنها دخلت بعدُ تاريخ الصراع العربي-الاسرائيلي من أبواب عدّة وحقق فيها الفلسطينيون اهدافا لم يكن يتصورها أحد منذ حرب 1973.
أولا، هذه الحرب أثبتت مرة أخرى ان أهل الأرض لا ينهزمون، فما بالك حين يكونون في نفس الوقت حاملين لوعي ثقافي أساسه الصبر والمصابرة.
لم تقف الجيوش العربية مجتمعة في وجه الجيش الاسرائيلي، في كل الحروب التي خاضتها ضده أكثر من سبعين يوما.
فلسطينيو حماس فعلوها.
ثانيا، لم تخسر اسرائيل في الأربعة حروب التي واجهت فيها الجيوش العربية أكثر من 2700 جندي، كان ذلك في حرب الغفران في نوفمبر 1973.
اليوم خسرت أكثر بكثير حسب مصادر عديدة موثوق بها، وذلك رغم تفوقها الكامل على أرض المواجهة، عددا وعتادا، ومساعدة أمريكيا وأوروبا.
ثالثا، كسبَ الفلسطينيون في سبعين يوما ما عجز عنه العرب جميعا منذ خمسة وسبعين عاما رغم عدالة قضيتهم ، ونعني تعاطف الجماهير الغربيّة التي ظلت الى حدّ يوم 8 أكتوبر تنظر إلى الفلسطينيين كحشدٍ متوحّش وإرهابي يريد قتل شعب متحضّر ومتقدّم يمثل واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط العربي.
فلسطسنيو غزة غيروا هذه النظرة وأضهروا زيف هذه الادعاءات في سبعين يوما.
في سبعين يوما من المقاومة الباسلة والتضحيات التي يلا يقدر عليها الاّ من خيّر ان يموت شهيدا على أن يعيش مسلوب الكرامة، أسقط الفلسطينيون أساطير كثيرة كم انخدعت بها الشعوب، ومنها: إنسانية نظام الحكم الغربي، وشمولية حقوق الإنسان، وكونيّة الديمقراطية التي لم ينفك هذا الغرب يبشّر بها.