بقلم عبد الجليل المسعودي
كأنّ سنة 2024 بدأت بنهايتها. حرب إبادة وتهجير لا تتوقف هدفها الذي لم يعد خافيا تطهيرُ غزة من سكانها الأصليين الفلسطينيين.
جيشٌ مدجّج بأعتى أنواع الأسلحة الفتّاكه، ومدعوم من أقوى دول العالم الغربي، ضدّ من؟ ضد شعبٍ أعزل محاصر منذ عشرين سنة، مُفقّر، مسلوب الحقوق.
ثمانية وثمانون يوما من القوة الغاشمة والعنف الأعمى وعشرات الآلاف من والموتى والجرحى الغزيّين أغلبهم من النساء والاطفال. ستّون في المائة من المباني سُويت بالأرض، والعالم المتحضّر يتفرّج. لا، لا يتفرج: يشارك بالعدد والعتاد في الاعتداء، يستمرّ في تسليح الأقوى وتحريضه على مواصلة تقتيل وتدمير الأضعف.
إنها سقطة اخلاقية لم يعرف لها التاريخ مثيلا من قبل، يأتيها من نصّبوا أنفسهم، منذ ثلاثة قرون من الزمن، قادةَ العالم نحو التطوّر والتقدم، باسم الحرية والعدالة والمساواة و احترام حقوق الإنسان وغيرها مما اعتقدنا-أو جعلونا نعتقد- انها قيم ثابتة لا تراجع عنها أبدا. يا لها من كذبة!
اليوم-وسنة 2023 تعيش آخر ساعاتها- اكتملت قناعتنا بزيف ما يدّعيه الغرب المتحضّر بعلويّة وكونيّة القيم التي يرفعها دون توقّف ويدعو إليها جاعلا، في نفس الوقت، من ازدواجية المعيار والكيل بمكيالين سياسة مفضوحة.
المساواة؟ نعم، ولكن بين الغربيين وحلفائهم فقط. الديمقراطية؟ نعم ولكن في بلدان الغرب المتحضّر وطالما تخدم مصالحها فقط. حقوق الانسان؟ نعم، ولكن ليس لكل البشر…واعتمادا على هذا التفريق بين الإنسان الغربي وغيره فقدت القيم قيمتها وأصبح مباحا شنّ حرب ابادة على غزة باسم مبدإٍ لا يقلّ زيفا وبهتانا، هو مبدأ “الدفاع عن النفس” الذي تستعمله الحكومة الإسرائيلية بمباركة من الغرب الذي زرعها في بلاد العرب ضمانا لتحقيق مصالحه وتكفيرا عن ذنبه التاريخي حيال الشعب اليهودي. من يستحق أن يدافع عن نفسه، المستعمر ام الرازح تحت الاستعمار؟
من هذا المنطلق فإن الشعب الفلسطيني، والغزاوي على وجه أخص، إنما يخوض اليوم حربا تتجاوز في أهدافها وملامحها حرب تحرير إقليمية، وإنما هي كذلك معركة حضارية من أجل إحياء القيم الإنسانية الثابتة وإعلائها، وإنهاء رواسب الاستعمار البغيظ الذي تمثّله إسرائيل الصهيونية في المنطقة. هو صراع من أجل المساواة بين كل البشر، بغض النظر عن اديانهم ولغاتهم وألوان بشرتهم، من أجل الديمقراطية الحقيقية لا تلك الخاضعة لهندسة متغيّرة حسب الظروف والمصالح، من أجل حقوق الإنسان أينما كان الانسان ومهما كان وضعه وحالته.
ان الصراع الذي يخوضه الفلسطسنيون اليوم في غزة هو صراع من أجل الإنسان العربي الذي خذلته أنظمته السياسية واغرته وعود الرفاهة الزائفة فقبل بالتخلي عن دوره المواطني خوفا أو طمعا. هو صراع من أجل كل المستضعفين والمستغَلّين والمهمشين في العالم. هو صراع من أجل انسانية الإنسان.
ان الحرب الظالمة التي انطلقت في نهاية سنة 2023 ويدفع ثمنها فلسطينيو غزة من أرواح أطفالهم ونسائهم، إنما هي حرب مصيرية سيتردد صداها في سنة 2024 والسنوات التي ستليها، كلحظةٍ تاريخية جوهرية فارقة أعلن فيها الإنسان من غزّة خيار الموت بكرامة وشرف على العيش مُستعبدا وذليلا.